قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يَتَجَلَّى رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَى وجهه، فيخرون له سجدا، فيقول ارفعوا رءوسكم فَلَيْسَ هَذَا بِيَوْمِ عِبَادَةٍ [قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ إِنَّهَا بِمَعْنَى تَنْتَظِرُ الثَّوَابَ مِنْ رَبِّهَا ولا يراه شي مِنْ خَلْقِهِ، فَتَأْوِيلٌ مَدْخُولٌ، لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَرَادَتْ بِالنَّظَرِ الِانْتِظَارَ قَالُوا نَظَرْتُهُ، كَمَا قَالَ تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ [الزخرف: ٦٦]، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [الأعراف: ٥٣]، وما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً [يس: ٤٩] وَإِذَا أَرَادَتْ بِهِ التَّفَكُّرَ وَالتَّدَبُّرَ قَالُوا: نَظَرْتُ فِيهِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ النَّظَرُ مَقْرُونًا بِذِكْرٍ إِلَى، وَذِكْرِ الْوَجْهِ فَلَا يَكُونُ إِلَّا بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ وَالْعِيَانِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إِنَّ قَوْلَ مُجَاهِدٍ تَنْتَظِرُ ثَوَابَ رَبِّهَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ نَظَرَ إِلَى كَذَا بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ، وَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: نَظَرْتُ إِلَى فُلَانٍ لَيْسَ إِلَّا رُؤْيَةَ عَيْنٍ، كَذَلِكَ تَقُولُهُ الْعَرَبُ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ: إِذَا أَرَادُوا نَظَرَ الْعَيْنِ، فَإِذَا أَرَادُوا الِانْتِظَارَ قَالُوا نَظَرْتُهُ، قَالَ:

فَإِنَّكُمَا إِنْ تَنْظُرَانِي سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ تَنْفَعُنِي لَدَى أُمِّ جُنْدَبِ
لَمَّا أَرَادَ الِانْتِظَارَ قَالَ تَنْظُرَانِي، وَلَمْ يَقُلْ تَنْظُرَانِ إِلَيَّ، وَإِذَا أَرَادُوا نَظَرَ الْعَيْنِ قَالُوا: نَظَرْتُ إِلَيْهِ، قَالَ:
نَظَرْتُ إِلَيْهَا وَالنُّجُومُ كَأَنَّهَا مصابيح رهبان تشب لقفال «١»
وقال آخر:
نَظَرْتُ إِلَيْهَا بِالْمُحَصَّبِ مِنْ مِنًى وَلِي نَظَرٌ «٢» لَوْلَا التَّحَرُّجُ عَارِمُ
وَقَالَ آخَرُ:
إِنِّي إِلَيْكِ لِمَا وَعَدْتِ لَنَاظِرٌ نَظَرَ الْفَقِيرِ إِلَى الْغَنِيِّ الْمُوسِرِ
أَيْ إِنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكِ بِذُلٍّ، لِأَنَّ نَظَرَ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ أَرَقُّ لِقَلْبِ الْمَسْئُولِ، فَأَمَّا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الانعام: ١٠٣] فإنما ذلك
(١). تشب: توقد. والقفال جمع قافل وهو الراجع من السفر. البيت من قصيدة لامرئ القيس.
(٢). في نسخ الأصل نظرة والصواب ما ذكرنا كما في ديوان قائله وهو عمر بن ربيعة.


الصفحة التالية
Icon