وَوَحَّدَ الشَّدِيدَ عَلَى لَفْظِ الْحَرَسِ، وَهُوَ كَمَا يُقَالُ: السَّلَفُ الصَّالِحُ بِمَعْنَى الصَّالِحِينَ، وَجَمْعُ السَّلَفِ أَسْلَافٌ «١» وَجَمْعُ الْحَرَسِ أَحْرَاسٌ، قَالَ: «٢»
(تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا وَأَهْوَالَ مَعْشَرٍ)
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَرَساً مَصْدَرًا عَلَى مَعْنَى حُرِسَتْ حِرَاسَةً شَدِيدَةً. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) مِنْها أي من السماء، ومَقاعِدَ: مَوَاضِعُ يُقْعَدُ فِي مِثْلِهَا لِاسْتِمَاعِ الْأَخْبَارِ مِنَ السَّمَاءِ، يَعْنِي أَنَّ مَرَدَةَ الْجِنِّ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِيَسْتَمِعُوا مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَخْبَارَ السَّمَاءِ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الْكَهَنَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، فَحَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى حِينَ بَعَثَ رَسُولَهُ بِالشُّهُبِ الْمُحْرِقَةِ، فَقَالَتِ الْجِنُّ حِينَئِذٍ: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً يَعْنِي بِالشِّهَابِ: الْكَوْكَبَ الْمُحْرِقَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ. وَيُقَالُ: لَمْ يَكُنِ انْقِضَاضُ الْكَوَاكِبِ إِلَّا بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِهِ. وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ هَلْ كَانَتِ الشَّيَاطِينُ تُقْذَفُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ، أَوَ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا حَدَثَ لِمَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَقَالَ «٣» قَوْمٌ: لَمْ تَكُنْ تُحْرَسُ السَّمَاءُ فِي الْفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ: خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منعوا من السموات كُلِّهَا، وَحُرِسَتْ بِالْمَلَائِكَةِ وَالشُّهُبِ. قُلْتُ: وَرَوَاهُ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعَتِ الشَّيَاطِينُ، وَرُمُوا بِالشُّهُبِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَابُورَ: لَمْ تَكُنِ السَّمَاءُ تُحْرَسُ فِي الْفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرست السماء، ورميت الشياطين بالشهب،

(١). كذا في ا، ط، و، ح: في موضع أو.
(٢). هو امرؤ القيس. ويروى:
تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا
وتمام البيت وهو من معلقته:
على حراصا لو يشرون مقتلي
[..... ]
(٣). الفعل (قال) زائد في ط. والصواب إسقاطه كما في ا، ح، و.


الصفحة التالية
Icon