بكر بلا يُقْتَلُ بِاغْتِيَالِ | يَا وَيْلُ لِلْقَاتِلِ مَعْ وَبَالِ |
تَهْوِي بِهِ النَّارُ إِلَى سِفَالِ | وَفِي يَدَيْهِ الْغُلُّ وَالْأَغْلَالِ |
فَأَطْعَمُوهُ الطَّعَامَ وَمَكَثُوا يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ لَمْ يَذُوقُوا شَيْئًا إِلَّا الْمَاءَ الْقَرَاحَ، فَلَمَّا كَانَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَامَتْ إِلَى الصَّاعِ الْبَاقِي فَطَحَنَتْهُ وَاخْتَبَزَتْهُ، وَصَلَّى عَلِيٌّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَى الْمَنْزِلَ، فَوُضِعَ الطَّعَامُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، إِذْ أَتَاهُمْ أَسِيرٌ فَوَقَفَ بِالْبَابِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ، تَأْسِرُونَنَا وَتَشُدُّونَنَا وَلَا تُطْعِمُونَنَا! أَطْعِمُونِي فَإِنِّي أَسِيرُ مُحَمَّدٍ. فَسَمِعَهُ عَلِيٌّ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
فَاطِمُ يَا بِنْتَ النَّبِيِّ أَحْمَدْ | بِنْتَ نَبِيٍّ سَيِّدٍ مُسَوَّدْ |
وَسَمَّاهُ اللَّهُ فَهُوَ مُحَمَّدْ | قَدْ زَانَهُ اللَّهُ بِحُسْنٍ أَغْيَدْ |
هَذَا أَسِيرٌ لِلنَّبِيِّ الْمُهْتَدْ | مُثَقَّلٌ فِي غُلِّهِ مُقَيَّدْ |
يَشْكُو إِلَيْنَا الْجُوعَ قَدْ تَمَدَّدْ | مَنْ يُطْعِمِ الْيَوْمَ يَجِدْهُ فِي غَدْ |
عِنْدَ الْعَلِيِّ الْوَاحِدِ الْمُوَحَّدْ | مَا يَزْرَعُ الزَّارِعُ سَوْفَ يَحْصُدْ |
فَأَنْشَأَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا تَقُولُ:
لَمْ يَبْقَ مِمَّا جَاءَ غَيْرُ صَاعٍ | قَدْ ذَهَبَتْ كَفِّي مَعَ الذِّرَاعْ |
ابْنَايَ وَاللَّهِ هُمَا جِيَاعْ | يَا رَبِّ لَا تَتْرُكُهُمَا ضِيَاعْ |
أَبُوهُمَا لِلْخَيْرِ ذُو اصْطِنَاعْ | يَصْطَنِعُ الْمَعْرُوفَ بِابْتِدَاعْ |
عَبْلُ الذِّرَاعَيْنِ شَدِيدُ الْبَاعْ | وَمَا عَلَى رَأْسِيَ مِنْ قِنَاعْ |
فَأَعْطَوْهُ الطَّعَامَ وَمَكَثُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامِ وَلَيَالِيهَا لَمْ يَذُوقُوا شَيْئًا إِلَّا الْمَاءَ الْقَرَاحَ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَقَدْ قَضَى اللَّهُ النَّذْرَ أَخَذَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى الحسن، وبيده اليسرى الحسين، وأقبل نحو
(١). النسع- بالكسر-: سير يضفر على هيئة أعنة النعال تشد به الرحال.