فَيُقْلِعُ. نَظِيرُهُ: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ [الرحمن: ٤٦]. (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) أَيْ زَجَرَهَا عَنِ الْمَعَاصِي وَالْمَحَارِمِ. وَقَالَ سَهْلٌ: تَرْكُ الْهَوَى مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنْتُمْ فِي زَمَانٍ يَقُودُ الْحَقُّ الْهَوَى، وَسَيَأْتِي زَمَانٌ يَقُودُ الْهَوَى الْحَقَّ فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ. (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) أَيِ الْمَنْزِلُ. وَالْآيَتَانِ نَزَلَتَا فِي مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَأَخِيهِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَّا مَنْ طَغَى فَهُوَ أَخٌ لِمُصْعَبِ بْنُ عُمَيْرٍ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَخَذَتْهُ الْأَنْصَارُ فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَلَمْ يَشُدُّوهُ فِي الْوَثَاقِ، وَأَكْرَمُوهُ وَبَيَّتُوهُ عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا حَدَّثُوا مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ حَدِيثَهُ، فَقَالَ: مَا هُوَ لِي بِأَخٍ، شُدُّوا أَسِيرَكُمْ، فَإِنَّ أُمَّهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْبَطْحَاءِ حُلِيًّا وَمَالًا. فَأَوْثَقُوهُ حَتَّى بَعَثَتْ أُمُّهُ فِي فِدَائِهِ. وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ فَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، حَتَّى نَفَذَتِ الْمَشَاقِصُ فِي جَوْفِهِ. وَهِيَ السِّهَامُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَشَحِّطًا فِي دَمِهِ قَالَ: [عِنْدَ اللَّهِ أَحْتَسِبُكِ [وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: [لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ مَا تُعْرَفُ قِيمَتُهُمَا وَإِنَّ شِرَاكَ نَعْلَيْهِ من ذهب [. وقيل: إن مصعب ابن عُمَيْرٍ قَتَلَ أَخَاهُ عَامِرًا يَوْمَ بَدْرٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلَيْنِ: أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ وَمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِيِّ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لَهُ غُلَامٌ يَأْتِيهِ بِطَعَامٍ، وَكَانَ يَسْأَلُهُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ بِهَذَا، فَأَتَاهُ يَوْمًا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَسْأَلْ وَأَكَلَهُ، فَقَالَ لَهُ غُلَامُهُ: لِمَ لَا تَسْأَلْنِي الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: نَسِيَتُ، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الطَّعَامُ. فَقَالَ: تَكَهَّنْتُ لِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعْطَوْنِيهِ. فَتَقَايَأَهُ مِنْ سَاعَتِهِ وَقَالَ: يَا رَبُّ مَا بَقِيَ فِي الْعُرُوقِ فَأَنْتَ حَبَسْتَهُ فَنَزَلَتْ: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي مَنْ هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ وَقَدَرَ عَلَيْهَا فِي خَلْوَةٍ ثُمَّ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ. وَنَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. يَعْنِي مَنْ خَافَ عِنْدَ الْمَعْصِيَةِ مَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، فَانْتَهَى عَنْهَا. وَاللَّهُ أعلم.


الصفحة التالية
Icon