عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْلَا فِيكُمْ رِجَالٌ خُشَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَصِبْيَانٌ رُضَّعٌ لَصُبَّ الْعَذَابُ عَلَى الْمُذْنِبِينَ صَبًّا). لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ" وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ". وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ (الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَاسْتَكْثِرْ أَوِ اسْتَقِلَّ). خَرَّجَهُ الْآجُرِيُّ. وَالْأَخْبَارُ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ كَثِيرَةٌ تَشْهَدُ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَاللَّهِ تعالى أعلم.
[سورة البقرة (٢): آية ١٢٦]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦)
وَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" بَلَداً آمِناً" يَعْنِي مَكَّةَ، فَدَعَا لِذُرِّيَّتِهِ وَغَيْرِهِمْ بِالْأَمْنِ وَرَغَدِ الْعَيْشِ. فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ فَاقْتَلَعَ الطَّائِفَ مِنْ الشَّامِ فَطَافَ بِهَا حَوْلَ الْبَيْتِ أُسْبُوعًا، فَسُمِّيَتْ الطَّائِفُ لِذَلِكَ، ثُمَّ أَنْزَلَهَا تِهَامَةَ، وَكَانَتْ مَكَّةُ وَمَا يَلِيهَا حِينَ ذَلِكَ قَفْرًا لَا مَاءَ وَلَا نَبَاتَ، فَبَارَكَ اللَّهُ فِيمَا حَوْلَهَا كَالطَّائِفِ وَغَيْرِهَا، وَأَنْبَتَ فِيهَا أَنْوَاعُ الثَّمَرَاتِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ" إِبْرَاهِيمَ «١» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّانِيَةُ- اخْتَلَفَ العلماء في مكة هل صارت حراما آمِنًا بِسُؤَالِ إِبْرَاهِيمَ أَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ حَرَمًا مِنَ الْجَبَابِرَةِ الْمُسَلَّطِينَ، وَمِنَ الْخُسُوفِ وَالزَّلَازِلِ، وَسَائِرِ الْمَثُلَاتِ الَّتِي تَحِلُّ بِالْبِلَادِ، وَجَعَلَ فِي النُّفُوسِ الْمُتَمَرِّدَةِ مِنْ تَعْظِيمِهَا وَالْهَيْبَةِ لَهَا مَا صَارَ بِهِ أَهْلُهَا مُتَمَيِّزِينَ بِالْأَمْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى. وَلَقَدْ جَعَلَ فِيهَا سُبْحَانَهُ مِنَ الْعَلَامَةِ الْعَظِيمَةِ عَلَى تَوْحِيدِهِ مَا شُوهِدَ مِنْ أَمْرِ الصَّيْدِ فِيهَا، فَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ فَلَا يُهَيِّجُ الْكَلْبُ الصَّيْدَ وَلَا يَنْفِرُ مِنْهُ، حَتَّى إِذَا خَرَجَا مِنَ الْحَرَمِ عَدَا الْكَلْبُ عَلَيْهِ وَعَادَ إِلَى النُّفُورِ وَالْهَرَبِ. وَإِنَّمَا سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَهَا آمِنًا مِنَ الْقَحْطِ وَالْجَدْبِ وَالْغَارَاتِ، وَأَنْ يَرْزُقَ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ، لَا عَلَى مَا ظَنَّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ الْمَنْعُ مِنْ سَفْكِ الدَّمِ فِي حَقِّ مَنْ لزمه القتل،

(١). راجع ٩ ص ٣٦٨ فما بعدها.


الصفحة التالية
Icon