صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (هُمَا فَجْرَانِ فَأَمَّا الَّذِي كَأَنَّهُ ذَنَبُ السِّرْحَانِ «١» فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ وَأَمَّا الْمُسْتَطِيلُ الَّذِي عَارَضَ الْأُفُقَ فَفِيهِ تَحِلُّ الصَّلَاةُ وَيَحْرُمُ الطَّعَامُ) هَذَا مُرْسَلٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَتَبَيُّنِهِ فِي الطُّرُقِ وَالْبُيُوتِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ «٢» وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْأَعْمَشِ سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْإِمْسَاكَ يَجِبُ بِتَبْيِينِ الْفَجْرَ فِي الطُّرُقِ وَعَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: لَمْ يَكُنْ يَعُدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلَأُ الْبُيُوتَ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ قَالَ قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَيَّ سَاعَةٍ تَسَحَّرْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ النَّهَارُ إِلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا يَغُرَّنكُمُ السَّاطِعُ الْمُصْعِدُ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَعْرِضَ لَكُمُ الْأَحْمَرُ). قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: [قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ «٣» [لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْيَمَامَةِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَالَّذِي قَادَهُمْ إِلَى هَذَا أَنَّ الصَّوْمَ إِنَّمَا هُوَ فِي النَّهَارِ، وَالنَّهَارِ عِنْدَهُمْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَآخِرُهُ غُرُوبُهَا، وَقَدْ مَضَى «٤» الْخِلَافُ فِي هَذَا بَيْنَ اللُّغَوِيِّينَ. وَتَفْسِيرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ) الْفَيْصَلُ فِي ذلك، وقوله" أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ" [البقرة: ١٨٤]. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ). تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَرُوِيَ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (من لَمْ يَجْمَعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ). رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ الرُّفَعَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ حَفْصَةَ مَرْفُوعًا مِنْ قَوْلُهَا. فَفِي هَذَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ فِي الْفَجْرِ، وَمَنَعَ مِنَ الصِّيَامِ دُونَ نِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ، خِلَافًا لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ: الثَّامِنَةُ- وَذَلِكَ أَنَّ الصِّيَامَ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَاتِ فَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَقَدْ وَقَّتَهَا الشَّارِعُ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ بَعْدَ الْفَجْرِ جَائِزٌ. وروى البخاري ومسلم عن
(٢). في بعض النسخ (عثمان). [..... ]
(٣). التكملة عن سنن الدارقطني يقتضيها السياق.
(٤). تراجع المسألة الثانية ص ١٩٢ من هذا الجزء.