ابن زَيْدٍ. وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إِذَا غُمَّ عَلَيْهِ الْهِلَالُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَأَكَلَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَالَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِثْلُهُ. وَكَذَلِكَ الْأَسِيرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِذَا أَكَلَ ظَنًّا أَنَّهُ مِنْ شعبان ثم بان خلافه. الثالثة عشرين- قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِلَى اللَّيْلِ" فِيهِ مَا يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنِ الْوِصَالِ، إِذِ اللَّيْلُ غَايَةُ الصِّيَامِ، وَقَالَتْهُ عَائِشَةُ. وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَمَنْ وَاصَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ وَأَبُو الْجَوْزَاءِ وَأَبُو الْحَسَنِ الدِّينَوَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ. كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُوَاصِلُ سَبْعًا، فَإِذَا أَفْطَرَ شَرِبَ السَّمْنَ وَالصَّبْرَ حَتَّى يُفَتِّقَ أَمْعَاءَهُ، قَالَ: وَكَانَتْ تَيْبَسُ أَمْعَاؤُهُ. وَكَانَ أَبُو الْجَوْزَاءِ يُوَاصِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَ لَيَالٍ وَلَوْ قَبَضَ عَلَى ذِرَاعِ الرَّجُلِ الشَّدِيدِ لَحَطَّمَهَا. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَا هُنَا وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ. هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ). خَرَّجَهُ مسلم من حديث عبد الله بن أبي أَوْفَى. وَنَهَى عَنِ الْوِصَالِ، فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ فَقَالَ: (لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ) كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ: (لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ). خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ) تَأْكِيدًا فِي الْمَنْعِ لَهُمْ مِنْهُ، وأخرجه الْبُخَارِيُّ. وَعَلَى كَرَاهِيَةِ الْوِصَالِ- لِمَا ذَكَرْنَا وَلِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْفِ الْقُوَى وَإِنْهَاكِ الْأَبْدَانِ- جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ حَرَّمَهُ بَعْضُهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ وَالتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ فَصْلَ «١» مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ). خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ) قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِي). قَالُوا: وَهَذَا إِبَاحَةٌ لِتَأْخِيرِ الْفِطْرِ إِلَى السحر، وهو الغاية فِي الْوِصَالِ لِمَنْ أَرَادَهُ، وَمَنَعَ مِنَ اتِّصَالِ يوم بيوم، وبه قال أحمد