مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَقَدْ وَقَعَ مَا خَافَهُ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ بِلَادِ خُرَاسَانَ يَقُومُونَ لِسُحُورِهَا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي رَمَضَانَ. وَرَوَى مطرف عن مالك أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهَا فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ. وَاسْتَحَبَّ صِيَامَهَا الشَّافِعِيُّ، وَكَرِهَهُ أَبُو يُوسُفَ. السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ" بين جل تعالى أَنَّ الْجِمَاعَ يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ عَامِدًا لِذَلِكَ فِي فَرْجِهَا أَنَّهُ مُفْسِدٌ لِاعْتِكَافِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَلَيْهِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ: عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُوَاقِعِ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ. فَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ فَإِنْ قَصَدَ بِهَا التَّلَذُّذَ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ لَمْ يُكْرَهْ، لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، وَكَانَتْ لَا مَحَالَةَ تَمَسُّ بَدَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا، فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ غَيْرُ مَحْظُورَةٍ، هَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يُبَاشِرُ وَلَا يُقَبِّلُ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَلَيْهِ إِنْ فَعَلَ، فَقَالَ مَالِكٌ والشافعي: إن فعل شيئا من ذلك فسدا اعْتِكَافُهُ، قَالَهُ الْمُزَنِيُّ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ مَسَائِلِ الِاعْتِكَافَ: لَا يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ مِنَ الوطي إِلَّا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ قِيَاسًا عَلَى أَصْلِهِ فِي الْحَجِّ وَالصَّوْمِ. السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ" جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَالِاعْتِكَافُ فِي اللُّغَةِ: الْمُلَازَمَةُ، يُقَالُ عَكَفَ عَلَى الشَّيْءِ إِذَا لَازَمَهُ مُقْبِلًا عَلَيْهِ. قَالَ الراجز:
عكف النبيط يلعبون الفنزجا «١»
وقال شاعر:
وَظَلَّ بَنَاتُ اللَّيْلِ حَوْلِي عُكَّفًا | عُكُوفَ الْبَوَاكِي بَيْنَهُنَّ صَرِيعُ |