الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ- الْمُعْتَكِفُ إِذَا أَتَى كَبِيرَةً فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ ضِدَّ الْعِبَادَةِ، كَمَا أَنَّ الحدث ضد الطهارة والصلاة، وترك حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَعْلَى مَنَازِلِ الِاعْتِكَافِ فِي الْعِبَادَةِ. قَالَهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ عَنْ مَالِكٍ. الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ- رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ... ، الْحَدِيثَ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ دُخُولِ الْمُعْتَكِفِ فِي اعْتِكَافِهِ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ ابن سَعْدٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنَّمَا يَفْعَلُ هَذَا مَنْ نَذَرَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَقَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ: إِذَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ، دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وابن الماجشون عبد الملك، لِأَنَّ أَوَّلَ لَيْلَةِ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ دَاخِلَةٌ فِيهَا، وَأَنَّهُ زَمَنٌ لِلِاعْتِكَافِ فَلَمْ يَتَبَعَّضْ كَالْيَوْمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَوْمٌ دَخَلَ قبل طلوع الفجر وخروج بعد الغروب الشَّمْسِ، خِلَافَ قَوْلِهِ فِي الشَّهْرِ. وَقَالَ اللَّيْثُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَزُفَرُ: يَدْخُلُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالشَّهْرُ وَالْيَوْمُ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ. وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَأَنَّ اللَّيْلَةَ إِنَّمَا تَدْخُلُ فِي الِاعْتِكَافِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِصَوْمٍ وَلَيْسَ اللَّيْلُ بِزَمَنٍ لِلصَّوْمِ. فَثَبَتَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالِاعْتِكَافِ هُوَ النَّهَارُ دون الليل. قلت: وحديث عائشة يرد هذه الأقوال وَهُوَ الْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ، وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ. الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ- اسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمَنِ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ أَنْ يُبَيِّتَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَغْدُوَ مِنْهُ إِلَى الْمُصَلَّى، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: يَخْرُجُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، وَرَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، لِأَنَّ الْعَشْرَ يَزُولُ بِزَوَالِ الشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ يَنْقَضِي