إِلَى مَكَّةَ عَلَى التَّوَكُّلِ بِغَيْرِ زَادٌ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: اخْرُجْ فِي غَيْرِ الْقَافِلَةِ. فَقَالَ لَا، إِلَّا مَعَهُمْ. قَالَ: فَعَلَى جُرُبِ «١» النَّاسِ تَوَكَّلْتَ؟! الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى " أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ خَيْرَ الزَّادِ اتِّقَاءُ الْمَنْهِيَّاتِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضُمُّوا إِلَى التَّزَوُّدِ التَّقْوَى. وَجَاءَ قَوْلُهُ" فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى " مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَى" وَتَزَوَّدُوا": اتَّقُوا اللَّهَ فِي اتِّبَاعِ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ الْخُرُوجِ بِالزَّادِ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ مَا اتَّقَى بِهِ الْمُسَافِرُ مِنَ الْهَلَكَةِ «٢» أَوِ الْحَاجَةِ إِلَى السُّؤَالِ وَالتَّكَفُّفِ. وَقِيلَ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارٍ. قَالَ أَهْلُ الْإِشَارَاتِ: ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى سَفَرَ الْآخِرَةِ وَحَثَّهُمْ عَلَى تَزَوُّدِ التَّقْوَى، فَإِنَّ التَّقْوَى زَادُ الْآخِرَةِ. قَالَ الْأَعْشَى:
إِذْ أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التُّقَى | وَلَاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا |
نَدِمْتَ عَلَى أَلَّا تَكُونَ كَمِثْلِهِ | وَأَنَّكَ لَمْ تَرْصُدْ كَمَا كَانَ أَرْصَدَا |
الْمَوْتُ بَحْرٌ طامح موجه | تذهب فيه حيلة السابخ |
يَا نَفْسُ إِنِّي قَائِلٌ فَاسْمَعِي | مَقَالَةً مِنْ مُشْفِقٍ نَاصِحِ |
لَا يَصْحَبُ الْإِنْسَانَ فِي قَبْرِهِ | غَيْرَ التُّقَى وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ |
(٢). الهلكة (بالتحريك): الهلاك.