وَزَعَمَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ هَذَا النَّسْخَ الثَّانِيَ قَدْ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّورَةَ فَتُرْفَعُ فَلَا تُتْلَى وَلَا تُكْتَبُ. قُلْتُ: وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ سُورَةَ" الْأَحْزَابِ" كَانَتْ تَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي الطُّولِ، عَلَى مَا يَأْتِي مُبَيَّنًا هُنَاكَ «١» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عبد الله ابن صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يُونُسَ وَعَقِيلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنِ سهل ابن حُنَيْفٍ فِي مَجْلِسِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيَقْرَأ سُورَةً مِنَ القرآن فلم يقدر على شي منها، وقام آخر فلم يقدر على شي منها، وقام آخر فلم يقدر على شي مِنْهَا، فَغَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: قُمْتُ اللَّيْلَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِأَقْرَأ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَلَمْ أقدر على شي مِنْهَا، فَقَامَ الْآخَرُ فَقَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ كَذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَامَ الْآخَرُ فَقَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ كَذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّهَا مِمَّا نَسَخَ اللَّهُ الْبَارِحَةَ). وَفِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ: وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يَسْمَعُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ أَبُو أُمَامَةَ فَلَا يُنْكِرُهُ. الرَّابِعَةُ- أَنْكَرَتْ طَوَائِفُ مِنَ الْمُنْتَمِينَ لِلْإِسْلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَازَهُ، وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ السَّابِقِ عَلَى وُقُوعِهِ فِي الشَّرِيعَةِ. وَأَنْكَرَتْهُ أَيْضًا طَوَائِفُ مِنَ الْيَهُودِ، وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِمَا جَاءَ فِي تَوْرَاتِهِمْ بِزَعْمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ السَّفِينَةِ: إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ كُلَّ دَابَّةٍ مَأْكَلًا لَكَ وَلِذُرِّيَّتِكَ، وَأَطْلَقْتُ ذَلِكَ لَكُمْ كَنَبَاتِ الْعُشْبِ، ما خلا الدم فلا تأكلوه. ثم قد حَرَّمَ عَلَى مُوسَى وَعَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَثِيرًا مِنَ الْحَيَوَانِ، وَبِمَا كَانَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُزَوِّجُ الْأَخَ مِنَ الْأُخْتِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَبِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ أُمِرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَا تَذْبَحْهُ، وَبِأَنَّ مُوسَى أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَقْتُلُوا مَنْ عَبَدَ مِنْهُمُ الْعِجْلَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِرَفْعِ السَّيْفِ عَنْهُمْ، وَبِأَنَّ نُبُوَّتَهُ غَيْرُ مُتَعَبَّدٍ بِهَا قَبْلَ بَعْثِهِ، ثُمَّ تُعُبِّدَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْبَدَاءِ بَلْ هُوَ نَقْلُ الْعِبَادِ مِنْ عِبَادَةٍ إِلَى عِبَادَةٍ، وَحُكْمٍ إِلَى حُكْمٍ، لِضَرْبٍ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، إِظْهَارًا لِحِكْمَتِهِ وكمال مملكته. ولا