بِالْمَعْنَى، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نِعَمِهِ، دَلَّ بِهَا عَلَى كَرَمِهِ. وَقِيلَ: اقْرَأْ وَرَبُّكَ أَيِ اقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ وَرَبُّكَ يُعِينُكَ وَيُفْهِمُكَ، وَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ الْقَارِئِ. والْأَكْرَمُ بِمَعْنَى المتجاوز عن جهل العباد.
[سورة العلق (٩٦): آية ٤]
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ يَعْنِي الْخَطَّ وَالْكِتَابَةَ، أَيْ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ الْخَطَّ بِالْقَلَمِ. وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْقَلَمُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَظِيمَةٌ، لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَقُمْ دِينٌ، وَلَمْ يَصْلُحْ عَيْشٌ. فَدَلَّ عَلَى كَمَالِ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ، بِأَنَّهُ عَلَّمَ عِبَادَهُ مَا لَمْ يَعْلَمُوا، وَنَقَلَهُمْ مِنْ ظُلْمَةِ الْجَهْلِ إِلَى نُورِ الْعِلْمِ، وَنَبَّهَ عَلَى فَضْلِ عِلْمِ الْكِتَابَةِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا هُوَ. وَمَا دُوِّنَتِ الْعُلُومُ، وَلَا قُيِّدَتِ الْحِكَمُ، وَلَا ضُبِطَتْ أَخْبَارُ الْأَوَّلِينَ وَمَقَالَاتُهُمْ، وَلَا كُتُبُ اللَّهِ الْمَنْزَلَةُ إِلَّا بِالْكِتَابَةِ، وَلَوْلَا هِيَ مَا اسْتَقَامَتْ أُمُورُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَسُمِّيَ قَلَمًا لِأَنَّهُ يُقْلَمُ، أَيْ يُقْطَعُ، وَمِنْهُ تَقْلِيمُ الظُّفْرِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ الْمُحْدَثِينَ يَصِفُ الْقَلَمَ:
فَكَأَنَّهُ وَالْحِبْرُ يَخْضِبُ رَأْسَهُ | شَيْخٌ لِوَصْلِ خَرِيدَةٍ يَتَصَنَّعُ |
لِمَ «١» لَا أُلَاحِظُهُ بِعَيْنِ جَلَالَةٍ | وَبِهِ إِلَى اللَّهِ الصَّحَائِفُ تُرْفَعُ |