وَهُوَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَيْسَ لِلنِّسَاءِ خَيْرٌ لَهُنَّ مِنْ أَلَّا يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ، وَلَا يَرَيْنَ الرِّجَالَ [. وَذَلِكَ أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الرَّجُلِ، فَنَهْمَتُهَا فِي الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ خُلِقَتْ فِيهِ الشَّهْوَةُ، وَجُعِلَتْ سَكَنًا لَهُ، فَغَيْرُ مَأْمُونٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ. وَكَذَلِكَ تَعْلِيمُ الْكِتَابَةِ رُبَّمَا كَانَتْ سَبَبًا لِلْفِتْنَةِ، وَذَلِكَ إِذَا عُلِّمَتِ الْكِتَابَةَ كَتَبَتْ إِلَى مَنْ تَهْوَى. وَالْكِتَابَةُ عَيْنٌ مِنَ الْعُيُونِ، بِهَا يُبْصِرُ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَالْخَطُّ هُوَ آثَارُ يَدِهِ. وَفِي ذَلِكَ تَعْبِيرٌ عَنِ الضَّمِيرِ بِمَا لَا يَنْطَلِقُ بِهِ اللِّسَانُ، فَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ اللِّسَانِ. فَأَحَبَّ رسوله الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْهُنَّ أسباب الفتنة، تحصينا لهن، وطهارة لقلوبهن.
[سورة العلق (٩٦): آية ٥]
عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)
قِيلَ: الْإِنْسانَ هُنَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شي، حَسَبَ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها «١». فَلَمْ يَبْقَ شي إِلَّا وَعَلَّمَ سُبْحَانَهُ آدَمَ اسْمَهُ بِكُلِّ لُغَةٍ، وَذَكَرَهُ آدَمُ لِلْمَلَائِكَةِ كَمَا عُلِّمَهُ. وَبِذَلِكَ ظَهَرَ فَضْلُهُ، وَتَبَيَّنَ قَدْرُهُ، وَثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ، وَقَامَتْ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَحُجَّتُهُ، وَامْتَثَلَتِ الْمَلَائِكَةُ الْأَمْرَ لِمَا رَأَتْ مِنْ شَرَفِ الْحَالِ، وَرَأَتْ مِنْ جَلَالِ الْقُدْرَةِ، وَسَمِعَتْ مِنْ عَظِيمِ الْأَمْرِ. ثُمَّ تَوَارَثَتْ ذَلِكَ ذُرِّيَّتُهُ خَلَفًا بَعْدَ سَلَفٍ، وَتَنَاقَلُوهُ قَوْمًا عَنْ قَوْمٍ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَةِ" الْبَقَرَةِ" «٢» مُسْتَوْفًى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقِيلَ: الْإِنْسانَ هُنَا الرَّسُولُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
«٣» [النساء: ١١٣]. وعلى هذا فالمراد ب- عَلَّمَكَ
الْمُسْتَقْبَلُ»
، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ. وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً «٥» [النحل: ٧٨].
[سورة العلق (٩٦): الآيات ٦ الى ٧]
كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧)
قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) إلى آخر السورة. قيل: إنه نزل

(١). آية ٣١ سورة البقرة.
(٢). راجع ج ١ ص ٢٧٩ طبعه ثانية
(٣). آية ١١٣ سورة النساء. [..... ]
(٤). في نسخة: المشكل.
(٥). آية ٧٨ سورة النحل.


الصفحة التالية
Icon