بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الزلزلة (٩٩): آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١)
أَيْ حُرِّكَتْ مِنْ أَصْلِهَا. كَذَا رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ يَقُولُ: فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى يُزَلْزِلُهَا- وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ-، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ «١» [النازعات: ٧ - ٦] ثُمَّ تُزَلْزَلُ ثَانِيَةً، فَتُخْرِجُ مَوْتَاهَا وَهِيَ الْأَثْقَالُ. وَذِكْرُ الْمَصْدَرِ لِلتَّأْكِيدِ، ثُمَّ أُضِيفَ إِلَى الْأَرْضِ، كَقَوْلِكَ: لَأُعْطِيَنَّكَ عَطِيَّتَكَ، أَيْ عَطِيَّتِي لَكَ. وَحَسُنَ ذَلِكَ لِمُوَافَقَةِ رُءُوسِ الْآيِ بَعْدَهَا. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِكَسْرِ الزَّاي مِنَ الزِّلْزَالِ. وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ بِفَتْحِهَا، وَهُوَ مَصْدَرٌ أَيْضًا، كَالْوَسْوَاسِ وَالْقَلْقَالِ وَالْجَرْجَارِ «٢». وَقِيلَ: الْكَسْرُ الْمَصْدَرُ. وَالْفَتْحُ الِاسْمُ.
[سورة الزلزلة (٩٩): آية ٢]
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ، فَهُوَ ثِقْلٌ لَهَا. وَإِذَا كَانَ فَوْقَهَا، فَهُوَ ثِقْلٌ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: أَثْقالَها: مَوْتَاهَا، تُخْرِجُهُمْ فِي النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ: الثَّقَلَانِ. وَقَالَتْ الْخَنْسَاءُ:
أَبْعَدَ ابْنَ عَمْرٍو مِنْ آلِ الشَّرِ... يَدِ حَلَّتْ بِهِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا
تَقُولُ: لَمَّا دُفِنَ عَمْرٌو صَارَ حِلْيَةً لِأَهْلِ الْقُبُورِ، مِنْ شَرَفِهِ وَسُؤْدُدِهِ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: إِذَا كَانَ الرَّجُلُ سَفَّاكًا لِلدِّمَاءِ: كَانَ ثِقَلًا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، فَلَمَّا مَاتَ حَطَّتِ الْأَرْضُ عَنْ ظَهْرِهَا ثِقَلَهَا. وَقِيلَ: أَثْقالَها كُنُوزُهَا، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: (تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ «٣» مِنَ الذهب والفضة... ).
(١). آية ٦ سورة النازعات.
(٢). القلقال: من قلقل الشيء إذا حركه. والجرجار: من جرجر البعير إذا ردد صوته في حنجرته.
(٣). الأسطوان: جمع أسطوانة وهي السارية والعمود وشبهه بالاسطوان لعظمه وكثرته.


الصفحة التالية
Icon