إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ «١» [النساء: ٤٠]. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ هُنَاكَ فِي الذَّرِّ، وَأَنَّهُ لَا وَزْنَ لَهُ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الذَّرَّ: أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ، فَمَا عَلِقَ بِهَا مِنَ التُّرَابِ فَهُوَ الدر، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا وَضَعْتَ يَدَكَ عَلَى الْأَرْضِ وَرَفَعْتَهَا، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا لَزِقَ بِهِ مِنَ التُّرَابِ ذَرَّةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خير من كافر، يرى «٢» ثَوَابَهُ فِي الدُّنْيَا، فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ. وَمَنْ يَعْمَلْ، مِثْقَالَ ذَرَّةٍ من شر من مؤمن، يرى «٣» عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا، فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَأَهْلِهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ شَرٌّ. دَلِيلُهُ مَا رَوَاهُ الْعُلَمَاءُ الْأَثْبَاتُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ، فَأَمْسَكَ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَنُرَى مَا عَمِلْنَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ؟ قَالَ: (مَا رَأَيْتَ مِمَّا تَكْرَهُ فَهُوَ مَثَاقِيلُ ذَرِّ الشَّرِّ، وَيُدَّخَرُ لَكُمْ مَثَاقِيلُ ذَرِّ الْخَيْرِ، حَتَّى تُعْطَوْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (. قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ: إِنَّ مِصْدَاقَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ «٤» [الشورى: ٣٠]. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لما نزل وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ «٥» [الإنسان: ٨] كَانَ أَحَدُهُمْ يَأْتِيهِ السَّائِلُ، فَيَسْتَقِلُّ أَنْ يُعْطِيَهُ التَّمْرَةَ وَالْكِسْرَةَ وَالْجَوْزَةَ «٦». وَكَانَ الْآخَرُ يَتَهَاوَنُ بِالذَّنْبِ الْيَسِيرِ، كَالْكَذْبَةِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّظْرَةِ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَوْعَدَ اللَّهُ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ، فَنَزَلَتْ تُرَغِّبُهُمْ فِي الْقَلِيلِ مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يُعْطُوهُ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أن يكثر، ويحدرهم الْيَسِيرَ مِنَ الذَّنْبِ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكْثُرَ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَالْإِثْمُ الصَّغِيرُ فِي عَيْنِ صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمُ مِنَ الْجِبَالِ، وَجَمِيعُ مَحَاسِنِهِ أَقَلُّ فِي عَيْنِهِ مِنْ كُلِّ شي. الثَّانِيَةُ- قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ (يَرَهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ فِيهِمَا. وقرا الجحدري والسلمى وعيسى ابن عُمَرَ وَأَبَانُ عَنْ عَاصِمٍ: (يُرَهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ، أَيْ يُرِيهِ اللَّهُ إِيَّاهُ. وَالْأَوْلَى الِاخْتِيَارُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً «٧» [آل عمران: ٣٠] الآية. وسكن الهاء في قوله (يره)
(٢). كذا في الأصل وبعض كتب التفسير بإثبات الياء والراجح حذفها.
(٣). كذا في الأصل وبعض كتب التفسير بإثبات الياء والراجح حذفها.
(٤). آية ٣٠ سورة الشورى.
(٥). آية ٨ سورة الإنسان. [..... ]
(٦). الجوزة: واحدة الجوز الذي يؤكل فارسي معرب.
(٧). آية ٣٠ سورة آل عمران.