مِنْ مُرُوءَةِ الرَّجُلِ أَلَّا يُخْبِرَ بِسِنِّهِ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ صَغِيرًا اسْتَحْقَرُوهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا اسْتَهْرَمُوهُ. وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ مَالِكًا لَا يُخْبِرُ بِسِنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكْتُمُ سِنَّهُ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْعُلَمَاءِ قُدْوَةً بِهِ. فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُخْبِرَ الرَّجُلَ بِسِنِّهِ كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا". وَقَالَ عَبْدُ الملك ابن مَرْوَانَ لِعَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَمُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ، وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، وَأَنَا أَدْرَكْتُ سَائِسَهُ وَقَائِدَهُ أَعْمَيَيْنِ مُقْعَدَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ النَّاسَ، وَقِيلَ لِبَعْضِ الْقُضَاةِ: كَمْ سِنُّكَ؟ قَالَ: سِنُّ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ حِينَ وَلَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَكَانَ سِنَّهُ يَوْمَئِذٍ دُونَ الْعِشْرِينَ. الْخَامِسَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: كَانَتْ قِصَّةُ الْفِيلِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ وَقَبْلَ التَّحَدِّي، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَوْكِيدًا لِأَمْرِهِ، وَتَمْهِيدًا لِشَأْنِهِ. وَلَمَّا تَلَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ السُّورَةَ، كَانَ بِمَكَّةَ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ شَهِدَ تِلْكَ الْوَقْعَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: أَلَمْ تَرَ وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ رَأَى قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِقَهُ أَعْمَيَيْنِ يَتَكَفَّفَانِ النَّاسَ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهَا: لَقَدْ رَأَيْتُ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِقَهُ أَعْمَيَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ النَّاسَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: رَأَيْتُ فِي بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ نَحْوًا مِنْ قَفِيزَيْنِ من تلك الحجارة، سودا مخططة بحمرة.
[سورة الفيل (١٠٥): آية ٢]
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) أَيْ فِي إِبْطَالٍ وَتَضْيِيعٍ، لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَكِيدُوا قُرَيْشًا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ، وَالْبَيْتَ بِالتَّخْرِيبِ وَالْهَدْمِ. فَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ بَعَثَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، يَنْظُرُ مَا لَقُوا مِنْ تِلْكَ الطَّيْرِ، فَإِذَا الْقَوْمُ مُشَدَّخِينَ جَمِيعًا، فَرَجَعَ يَرْكُضُ فَرَسُهُ، كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُوهُ قَالَ: إِنَّ ابْنِي هَذَا أَفْرَسُ الْعَرَبِ. وَمَا كَشَفَ عَنْ فَخِذِهِ إِلَّا بَشِيرًا أَوْ نَذِيرًا. فَلَمَّا دَنَا مِنْ نَادِيهِمْ بِحَيْثُ يُسْمِعُهُمُ الصَّوْتَ، قَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: هَلَكُوا جَمِيعًا. فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ. وكانت