[سورة الغاشية (٨٨): آية ١١]

لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) أَيْ كَلَامًا سَاقِطًا غَيْرَ مَرْضِيٍّ. وَقَالَ: لاغِيَةً، وَاللَّغْوُ وَاللَّغَا وَاللَّاغِيَةُ: بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ:
عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ «١»
وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ أَيْ لَا تَسْمَعُ فِيهَا كَلِمَةَ لَغْوٍ. وَفِي الْمُرَادِ بِهَا سِتَّةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يَعْنِي كَذِبًا وَبُهْتَانًا وَكُفْرًا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الثَّانِي: لَا بَاطِلَ وَلَا إِثْمَ، قَالَهُ قَتَادَةُ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ الشَّتْمُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. الرَّابِعُ: الْمَعْصِيَةُ، قَالَهُ الْحَسَنُ. الْخَامِسُ: لَا يُسْمَعُ فِيهَا حَالِفٌ يَحْلِفُ بِكَذِبٍ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا يُسْمَعُ فِي الْجَنَّةِ حَالِفٌ بِيَمِينٍ بَرَّةٍ وَلَا فَاجِرَةٍ. السَّادِسُ: لَا يُسْمَعُ فِي كَلَامِهِمْ كَلِمَةٌ بِلَغْوٍ، لِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِالْحِكْمَةِ وَحَمْدِ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ الدَّائِمِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ أَيْضًا. وَهُوَ أَحْسَنُهَا لِأَنَّهُ يَعُمُّ مَا ذُكِرَ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ (لَا يُسْمَعُ) بِيَاءٍ غَيْرُ مُسَمَّى الْفَاعِلِ. وَكَذَلِكَ نَافِعٌ، إِلَّا أَنَّهُ بِالتَّاءِ الْمَضْمُومَةِ، لِأَنَّ اللَّاغِيَةَ اسْمٌ مُؤَنَّثٌ فَأَنَّثَ الْفِعْلَ لِتَأْنِيثِهِ. وَمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ فَلِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ مَفْتُوحَةً لاغِيَةً نَصًّا عَلَى إِسْنَادِ ذَلِكَ لِلْوُجُوهِ، أَيْ لَا تسمع الوجوه فيها لاغية.
[سورة الغاشية (٨٨): الآيات ١٢ الى ١٦]
فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) أَيْ بِمَاءٍ مُنْدَفِقٍ، وَأَنْوَاعِ الْأَشْرِبَةِ اللَّذِيذَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أُخْدُودٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ" الْإِنْسَانِ" أَنَّ فِيهَا عُيُونًا «٢». فَ- عَيْنٌ: بِمَعْنَى عُيُونٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) أَيْ عَالِيَةٌ. وَرُوِيَ أنه كان ارتفاعها قدر ما بين
(١). قبله:
ورب أسراب حجيج كظم
قائله رؤبة. ونسبه ابن برى للعجاج.
(٢). راجع ج ١٩ ص ١٢٤، ١٠٤


الصفحة التالية
Icon