فِي مَرْكُوبِهِ، ثُمَّ يَمُدُّ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ إِلَى الْأَرْضِ. فَأُمِرُوا بِالنَّظَرِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّهَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى الصَّانِعِ الْمُخْتَارِ القادر.
[سورة الغاشية (٨٨): الآيات ٢١ الى ٢٦]
فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَذَكِّرْ أَيْ فَعِظْهُمْ يَا مُحَمَّدُ وَخَوِّفْهُمْ. إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ أَيْ وَاعِظٌ. (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) أَيْ بِمُسَلَّطٍ عَلَيْهِمْ فَتَقْتُلَهُمْ. ثُمَّ نَسَخَتْهَا آيَةُ السيف. وقرا هارون الأعور (بمصيطر) (بفتح الطاء)، والْمُصَيْطِرُونَ «١» [الطور: ٣٧]. وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ. وَفِي الصِّحَاحِ:" الْمُسَيْطِرُ وَالْمُصَيْطِرُ: الْمُسَلَّطُ عَلَى الشَّيْءِ، لِيُشْرِفَ عَلَيْهِ، وَيَتَعَهَّدَ أَحْوَالَهُ،. وَيَكْتُبَ عَمَلَهُ، وَأَصْلُهُ مِنَ السَّطْرِ، لِأَنَّ «٢» مِنْ مَعْنَى السَّطْرِ أَلَّا يُتَجَاوَزَ، فَالْكِتَابُ مُسَطَّرٌ، وَالَّذِي يَفْعَلُهُ مُسَطِّرٌ وَمُسَيْطِرٌ، يُقَالُ: سَيْطَرْتَ عَلَيْنَا، وَقَالَ تَعَالَى: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ. وَسَطَرَهُ أَيْ صَرَعَهُ. (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَكِنْ مَنْ تَوَلَّى عَنِ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ. (فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) وَهِيَ جَهَنَّمُ الدَّائِمُ عَذَابُهَا. وَإِنَّمَا قَالَ: الْأَكْبَرَ لِأَنَّهُمْ عُذِّبُوا فِي الدُّنْيَا بِالْجُوعِ وَالْقَحْطِ وَالْأَسْرِ وَالْقَتْلِ. وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَإِنَّهُ يُعَذِّبُهُ اللَّهُ. وَقِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ. وَالْمَعْنَى: لَسْتَ بِمُسَلَّطٍ إِلَّا عَلَى مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَأَنْتَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ بِالْجِهَادِ، وَاللَّهُ يُعَذِّبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ، فَلَا نَسْخَ فِي الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِرَجُلٍ ارْتَدَّ، فَاسْتَتَابَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمْ يُعَاوِدِ الْإِسْلَامَ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَقَرَأَ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ" أَلَا" عَلَى الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّنْبِيهِ، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَلَا رب يوم لك منهن صالح «٣»

(١). آية ٣٧ سورة الطور. وقد أورده صاحب اللسان وشرحه.
(٢). كذا في نسخ الأصل وتفسير ابن عادل نقلا عن القرطبي. والذي في الصحاح: (وأصله من السطر، لان الكتاب مسطر... ).
(٣). تمامه:
وَلَا سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارَةِ جَلْجَلِ


الصفحة التالية
Icon