فَسَمِعَتْ عِنْدَ بَابِ مَكَّةَ: هَنِيئًا لَكِ يَا بَطْحَاءَ مَكَّةَ، الْيَوْمَ يُرَدُّ إِلَيْكِ النُّورُ وَالدِّينُ وَالْبَهَاءُ وَالْجَمَالُ. قَالَتْ: فَوَضَعْتُهُ لِأُصْلِحَ ثِيَابِي، فَسَمِعْتُ هَدَّةً شَدِيدَةً، فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ: مَعْشَرَ الناس، أين الصبي؟ فقال: لم نر شيئا، فصحت: وا محمداه! فَإِذَا شَيْخٌ فَانٍ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصَاهُ، فَقَالَ: اذْهَبِي إِلَى الصَّنَمِ الْأَعْظَمِ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكِ فَعَلَ. ثُمَّ طَافَ الشَّيْخُ بِالصَّنَمِ، وَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَقَالَ: يَا رَبِّ، لَمْ تَزَلْ مِنَّتُكَ عَلَى قُرَيْشٍ، وَهَذِهِ السَّعْدِيَّةُ تَزْعُمُ أَنَّ ابْنَهَا قَدْ ضَلَّ، فَرُدَّهُ إِنْ شِئْتَ. فَانْكَبَّ (هُبَلُ) عَلَى وَجْهِهِ، وَتَسَاقَطَتِ الْأَصْنَامُ، وَقَالَتْ: إِلَيْكَ عنا أيها الشيخ، فهلا كنا عَلَى يَدَيْ مُحَمَّدٍ. فَأَلْقَى الشَّيْخَ عَصَاهُ، وَارْتَعَدَ وَقَالَ: إِنَّ لِابْنِكِ رَبًّا لَا يُضَيِّعُهُ، فَاطْلُبِيهِ عَلَى مَهَلٍ. فَانْحَشَرَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَطَلَبُوهُ فِي جَمِيعِ مَكَّةَ، فَلَمْ يَجِدُوهُ. فَطَافَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِالْكَعْبَةِ سَبْعًا، وَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّهُ، وَقَالَ:
يَا رَبِ رُدَّ وَلَدِي مُحَمَّدًا | ارْدُدْهُ رَبِّي وَاتَّخِذْ عِنْدِي يَدَا |
يَا رَبِّ إِنْ مُحَمَّدٌ لَمْ يُوجَدَا | فَشَمْلُ قَوْمِي كُلِّهِمْ تَبَدَّدَا |
(٢). آية ٦٤ سورة النحل. [..... ]