وَاحِدٌ، وَقَدْ يُخَرَّجُ بِقِيَاسٍ مِنْ غَيْرِ مَا مَسْأَلَةٍ مِنَ الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ: مَالِي صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ أَنَّ الثُّلُثَ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الْإِشْرَافِ لِابْنِ الْمُنْذِرِ: وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٌ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَعَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يَقُولُونَ: مَنْ طَلَّقَ الْبِكْرَ ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ. قُلْتُ: وَرُبَّمَا اعْتَلُّوا فَقَالُوا: غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَدْ بَانَتْ بِنَفْسِ فَرَاغِهِ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَيَرِدُ" ثَلَاثًا" عَلَيْهَا وَهَى بَائِنٌ فَلَا يُؤَثِّرُ شَيْئًا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، فَوَجَبَ أَلَّا تَقِفَ الْبَيْنُونَةُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا عَلَى مَا يَرِدُ «١» بَعْدَهُ، أَصْلُهُ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ. السَّادِسَةُ- اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ" وَقَوْلِهِ:" أَوْ- سَرِّحُوهُنَّ «٢» " عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إِلَى أَنَّ الصَّرِيحَ مَا تَضَمَّنَ لَفْظَ الطَّلَاقِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، أَوْ قَدْ طَلَّقْتُكِ، أَوِ الطَّلَاقُ لَهُ لَازِمٌ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ فَهُوَ كِنَايَةٌ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: صَرِيحُ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ كَثِيرَةٌ، وَبَعْضُهَا أَبْيَنُ مِنْ بَعْضٍ: الطَّلَاقُ وَالسَّرَاحُ وَالْفِرَاقُ وَالْحَرَامُ وَالْخَلِيَّةُ وَالْبَرِّيَّةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الصَّرِيحُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ، وَهُوَ مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالسَّرَاحِ وَالْفِرَاقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ «٣» " وَقَالَ:" أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ" وَقَالَ:" فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ". قُلْتُ: وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالطَّلَاقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ مَا ذَكَرْنَا، وَالْكِنَايَةُ مَا عَدَاهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَالْكِنَايَةُ تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ، وَالْحُجَّةُ لِمَنْ قَالَ: إِنَّ الْحَرَامَ وَالْخَلِيَّةَ وَالْبَرِّيَّةَ مِنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِهَا فِي الطَّلَاقِ حَتَّى عُرِفَتْ بِهِ، فَصَارَتْ بَيِّنَةً وَاضِحَةً فِي إِيقَاعِ الطَّلَاقِ، كَالْغَائِطِ الَّذِي وُضِعَ لِلْمُطْمَئِنِّ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ فِي إِتْيَانِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَكَانَ فِيهِ أبين

(١). في ز: على ما يراد به بعده.
(٢). راجع ج ١٤ ص ٢٠٤.
(٣). راجع ج ١٨ ص ١٥٧ [..... ]


الصفحة التالية
Icon