وَقَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَعَدَمِ التَّرْجِيحِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُحَافَظَةُ عَلَى جَمِيعِهَا وَأَدَائِهَا فِي أَوْقَاتِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثَةُ- وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ مَنْ أَثْبَتَ" وَصَلَاةِ الْعَصْرِ" الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ حِينَ أَمَرَتْهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا قُرْآنًا. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَالتَّفْسِيرِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عمرو ابن رَافِعٍ قَالَ: أَمَرَتْنِي حَفْصَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا، الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: فَأَمْلَتْ عَلَيَّ" حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى - وَهِيَ الْعَصْرُ- وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ" وَقَالَتْ: هَكَذَا سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرءوها. فَقَوْلُهَا:" وَهِيَ الْعَصْرُ" دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَّرَ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ هُوَ" وَهِيَ الْعَصْرُ". وَقَدْ رَوَى نَافِعٌ عَنْ حَفْصَةَ" وَصَلَاةِ الْعَصْرِ"، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ حَفْصَةَ أَيْضًا" صَلَاةِ الْعَصْرِ" بِغَيْرِ وَاوٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي هَذَا اللَّفْظِ الْمَزِيدِ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ وَصِحَّةِ مَا فِي الْإِمَامِ مُصْحَفِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَعَلَيْهِ حُجَّةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَالَ: وَالصَّلَاةُ الْوُسْطَى وَصَلَاةُ الْعَصْرِ جَعَلَ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى غَيْرَ الْعَصْرِ، وَفِي هَذَا دَفْعٌ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: شَغَلَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى ملا الله أجوافهم وقبورهم نارا" الحديث «١». الرَّابِعَةُ- وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ أَنَّهَا تَنْقُصُ عَنْ سَبْعَةٍ وَتَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَلَيْسَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ فَرْدٌ إِلَّا الْخَمْسَةُ، وَالْأَزْوَاجُ لَا وَسَطَ لَهَا فَثَبَتَ أَنَّهَا خَمْسَةٌ. وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ" هِيَ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ". الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) مَعْنَاهُ فِي صَلَاتِكُمْ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي معنى قوله" قانِتِينَ" فقال الشعبي: طائعين، وقال جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.