فِي الْمَخْرَجِ. فَإِنَّ مَخْرَجَهُمَا مِنْ طَرَفٍ اللِّسَانِ وَأُصُولِ الثَّنَايَا وَفِي أَنَّهُمَا مَهْمُوسَتَانِ «١». قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْإِظْهَارُ أَحْسَنُ لِتَبَايُنِ مَخْرَجِ الثَّاءِ مِنْ مَخْرَجِ التَّاءِ. وَيُقَالُ: كَانَ هَذَا السُّؤَالُ بِوَاسِطَةِ الْمَلِكِ عَلَى جِهَةِ التَّقْرِيرِ. وَ" كَمْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِ. (قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) إِنَّمَا قَالَ هَذَا عَلَى مَا عِنْدَهُ وَفِي ظَنِّهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ كَاذِبًا فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ" قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ «٢» " وَإِنَّمَا لَبِثُوا ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ- عَلَى مَا يَأْتِي- وَلَمْ يَكُونُوا كَاذِبِينَ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا عَمَّا عِنْدَهُمْ، كَأَنَّهُمْ قَالُوا: الَّذِي عِنْدَنَا وَفِي ظُنُونِنَا أَنَّنَا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ:" لَمْ أُقَصِّرْ وَلَمْ أَنْسَ". وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ كَذِبٌ عَلَى مَعْنَى وُجُودِ حَقِيقَةِ الْكَذِبِ فِيهِ وَلَكِنَّهُ لَا مُؤَاخَذَةَ بِهِ، وَإِلَّا فَالْكَذِبُ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، وَهَذَا بَيِّنٌ فِي نَظَرِ الْأُصُولِ. فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُعْصَمُونَ عَنِ الْإِخْبَارِ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ، كَمَا لَا يُعْصَمُونَ عَنِ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ. فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ: أَمَاتَهُ اللَّهُ غُدْوَةَ يَوْمٍ ثُمَّ بُعِثَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَظَنَّ هَذَا الْيَوْمَ وَاحِدًا فَقَالَ: لَبِثْتُ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَى بَقِيَّةً مِنَ الشَّمْسِ فَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فَقَالَ: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. فَقِيلَ: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ، وَرَأَى مِنْ عِمَارَةِ الْقَرْيَةِ وَأَشْجَارِهَا وَمَبَانِيهَا مَا دَلَّهُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ) وَهُوَ التِّينُ الَّذِي جَمَعَهُ مِنْ أَشْجَارِ الْقَرْيَةِ الَّتِي مَرَّ عَلَيْهَا. (وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) وقرا ابْنُ مَسْعُودٍ" وَهَذَا طَعَامُكَ وَشَرَابُكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ". وقرا طلحة ابن مُصَرِّفٍ وَغَيْرُهُ" وَانْظُرْ لِطَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لِمِائَةِ سَنَةٍ". وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِإِثْبَاتِ الْهَاءِ فِي الْوَصْلِ إِلَّا الاخوان «٣»
(٢). راجع ج ١٠ ص ٣٧٤.
(٣). عبارة البحر: وقرا حمزة والكسائي بحذف الهاء في الوصل على أنها هاء السكت وقرا باقى السبعة بإثبات الهاء في الوصل والوقف. في ب وهـ وج: الاخوان، وصوابه الأخوين.