عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً «١» بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ، وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ- ثُمَّ قَرَأَ- الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ". قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ «٢». وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ" وَيَأْمُرُكُمُ الْفَحْشَاءَ" بِحَذْفِ الْبَاءِ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ... فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ
وَالْمَغْفِرَةُ هِيَ السَّتْرُ عَلَى عِبَادِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَالْفَضْلُ هُوَ الرِّزْقُ فِي الدُّنْيَا وَالتَّوْسِعَةُ وَالنَّعِيمُ فِي الْآخِرَةِ، وَبِكُلٍّ قَدْ وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّالِثَةُ- ذَكَرَ النَّقَّاشُ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَأَنَّسَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي أَنَّ الْفَقْرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغِنَى، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُبْعِدُ الْعَبْدَ مِنَ الْخَيْرِ، وَهُوَ بِتَخْوِيفِهِ الْفَقْرَ يَبْعُدُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ بَلِ الْمُعَارَضَةُ بِهَا قَوِيَّةٌ. وَرُوِيَ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ" عَبْدِي أَنْفِقْ مِنْ رِزْقِي أَبْسُطْ عَلَيْكَ فَضْلِي فَإِنَّ يَدِي مَبْسُوطَةٌ عَلَى كُلِّ يَدٍ مَبْسُوطَةٍ". وَفِي الْقُرْآنِ مِصْدَاقُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ:" وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ «٣» ". ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. (وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ «٤». وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُعْطِي مِنْ سَعَةٍ وَيَعْلَمُ حَيْثُ يَضَعُ ذَلِكَ، وَيَعْلَمُ الْغَيْبَ وَالشَّهَادَةَ. وَهُمَا اسْمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي جُمْلَةِ الْأَسْمَاءِ فِي" الْكِتَابِ الأسنى" والحمد لله.
[سورة البقرة (٢): آية ٢٦٩]
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)
(٢). كذا في الأصول. والذي في سنن الترمذي:"... حسن غريب".
(٣). راجع ج ١٤ ص ٣٠٧.
(٤). راجع المسألة الخامسة ج ٢ ص ٨٤