وَبِغَيْرِ شَرْطٍ لِقُرْبِ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهَا. وَلَمْ يُجِزِ الشَّافِعِيُّ وَلَا الْكُوفِيُّ تَأْخِيرَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَنِ الْعَقْدِ وَالِافْتِرَاقِ، وَرَأَوْا أَنَّهُ كَالصَّرْفِ. وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْبَابَيْنِ مُخْتَلِفَانِ بِأَخَصِّ أَوْصَافِهِمَا، فَإِنَّ الصَّرْفَ بَابُهُ ضَيِّقٌ كَثُرَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّ شَوَائِبَ الْمُعَامَلَاتِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُمْ" إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" تَحَرُّزٌ مِنَ السَّلَمِ الْحَالِّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَيَأْتِي. وَوَصْفُ الْأَجَلِ بِالْمَعْلُومِ تَحَرُّزٌ مِنَ الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ الَّذِي كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسْلِمُونَ إِلَيْهِ. الْخَامِسَةُ- السَّلَمُ وَالسَّلَفُ عِبَارَتَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ وَقَدْ جَاءَا فِي الْحَدِيثِ، غَيْرَ أَنَّ الِاسْمَ الْخَاصَّ بِهَذَا الْبَابِ" السَّلَمُ" لِأَنَّ السَّلَفَ يُقَالُ عَلَى الْقَرْضِ. وَالسَّلَمُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ الْجَائِزَةِ بِالِاتِّفَاقِ، مُسْتَثْنًى مِنْ نَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ. وَأَرْخَصَ فِي السَّلَمِ، لِأَنَّ السَّلَمَ لَمَّا كَانَ بَيْعَ مَعْلُومٍ فِي الذِّمَّةِ كَانَ بَيْعَ غَائِبٍ تَدْعُو إليه ضرورة كل واحد من المتابعين، فَإِنَّ صَاحِبَ رَأْسِ الْمَالِ مُحْتَاجٌ إِلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّمَرَةَ، وَصَاحِبَ الثَّمَرَةِ مُحْتَاجٌ إِلَى ثَمَنِهَا قَبْلَ إِبَّانِهَا لِيُنْفِقَهُ عَلَيْهَا، فَظَهَرَ أَنَّ بَيْعَ السَّلَمِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْحَاجِيَّةِ، وَقَدْ سَمَّاهُ الْفُقَهَاءُ بَيْعَ الْمَحَاوِيجِ، فَإِنْ جَازَ حَالًّا بَطَلَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ وَارْتَفَعَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ، وَلَمْ يَكُنْ لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ فَائِدَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. السَّادِسَةُ- فِي شُرُوطِ السَّلَمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَهِيَ تِسْعَةٌ: سِتَّةٌ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَثَلَاثَةٌ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. أَمَّا السِّتَّةُ الَّتِي فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَأَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا، وَأَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا، وَأَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا، وَأَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا، وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ. وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَأَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ، مُقَدَّرًا، نَقْدًا. وَهَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي رَأْسِ الْمَالِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا إِلَّا النَّقْدَ حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّ المقصود منه كونه في الذمة، لأنه مدائنه، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ دَيْنًا وَلَا قَصَدَ النَّاسُ إِلَيْهِ رِبْحًا وَرِفْقًا. وَعَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ اتَّفَقَ النَّاسُ. بَيْدَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يجوز السلم في المعين «١» إلا بشرطين:

(١). كذا في هـ وج، الذي في اوح: العين.


الصفحة التالية
Icon