خَاصٌّ وَالْعَامُّ لَا يَنْسَخُ الْخَاصَّ بِاتِّفَاقٍ. وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقَاتِلُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ يُغْزَى «١». الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (قِتالٍ فِيهِ) " قِتَالٍ" بَدَلٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ بَدَلُ اشْتِمَالٍ، لِأَنَّ السُّؤَالَ اشْتَمَلَ عَلَى الشَّهْرِ وَعَلَى الْقِتَالِ، أَيْ يَسْأَلُكَ الْكُفَّارُ تَعَجُّبًا مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ، فَسُؤَالَهُمْ عَنِ الشَّهْرِ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْقِتَالِ فِيهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ هَلْ يَجُوزُ؟ فَأَبْدَلَ قِتَالًا مِنَ الشَّهْرِ، وأنشد سيبويه:
فَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكَ وَاحِدٍ | وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا «٢» |
وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ" يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قَتْلٍ فِيهِ قُلْ قَتْلٌ" بِغَيْرِ أَلِفٍ فِيهِمَا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَعَنْ قِتَالٍ فِيهِ، وَهَكَذَا قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَيَكُونُ مَخْفُوضًا بِعَنْ عَلَى التَّكْرِيرِ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَخْفُوضٌ عَلَى نِيَّةِ عَنْ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ مَخْفُوضٌ عَلَى الْجِوَارِ. قَالَ النَّحَّاسُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْرَبَ الشَّيْءُ عَلَى الْجِوَارِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا في شي مِنَ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا الْجِوَارُ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا وَقَعَ في شي شَاذٍّ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: هَذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ قَوْلُ الْعَرَبِ فِي التَّثْنِيَةِ: هَذَانَ: جُحْرَا ضَبٍّ خَرِبَانِ، وَإِنَّمَا هَذَا بمنزلة الإقواء، ولا يجوز أن يحمل شي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى هَذَا، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ وَأَصَحِّهَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ خَفْضٌ عَلَى الْجِوَارِ، وقوله هذا خطأ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلَا يَجُوزُ إِضْمَارُ عَنْ، وَالْقَوْلُ فِيهِ أَنَّهُ بَدَلٌ. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ" يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٌ فِيهِ" بِالرَّفْعِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ غَامِضٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَجَائِزٌ قِتَالٌ فِيهِ؟ فَقَوْلُهُ:" يَسْئَلُونَكَ" يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: