مَنْ فَعَلَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ «١»: إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَصَابُوا وِزْرًا فَلَيْسَ لَهُمْ أَجْرٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا" إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَالْهِجْرَةُ مَعْنَاهَا الِانْتِقَالُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، وَقَصْدُ تَرْكِ الْأَوَّلِ إِيثَارًا لِلثَّانِي. وَالْهَجْرُ ضِدَّ الْوَصْلِ. وَقَدْ هَجَرَهُ هَجْرًا وَهِجْرَانًا، وَالِاسْمُ الْهِجْرَةُ. وَالْمُهَاجَرَةُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ تَرْكُ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ. وَالتَّهَاجُرُ التَّقَاطُعُ. وَمَنْ قَالَ: الْمُهَاجَرَةُ الِانْتِقَالُ مِنَ الْبَادِيَةِ إِلَى الْحَاضِرَةِ فَقَدْ أَوْهَمَ، بِسَبَبِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ الْأَغْلَبَ فِي الْعَرَبِ، وَلَيْسَ أَهْلُ مَكَّةَ مهاجرين على قوله." وَجاهَدُوا" مُفَاعَلَةٌ مِنْ جَهَدَ إِذَا اسْتَخْرَجَ الْجَهْدَ، مُجَاهَدَةً وَجِهَادًا. وَالِاجْتِهَادُ وَالتَّجَاهُدُ: بَذْلُ الْوُسْعِ وَالْمَجْهُودِ. وَالْجَهَادُ (بالفتح): الأرض الصلبة." وَيَرْجُونَ" مَعْنَاهُ يَطْمَعُونَ وَيَسْتَقْرِبُونَ. وَإِنَّمَا قَالَ" يَرْجُونَ" وَقَدْ مَدَحَهُمْ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَنَّهُ صَائِرٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَلَوْ بَلَغَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ كُلَّ مَبْلَغٍ، لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا- لَا يَدْرِي بِمَا يُخْتَمُ لَهُ. وَالثَّانِي- لِئَلَّا يَتَّكِلَ عَلَى عَمَلِهِ، وَالرَّجَاءُ يَنْعَمُّ، وَالرَّجَاءُ أَبَدًا معه خوف ولا بد، كَمَا أَنَّ الْخَوْفَ مَعَهُ رَجَاءٌ. وَالرَّجَاءُ مِنَ الْأَمَلِ مَمْدُودٌ، يُقَالُ: رَجَوْتُ فُلَانًا رَجْوًا وَرَجَاءً ورجاؤه، يقال: ما أتيتك إلا رجاؤه الْخَيْرِ. وَتَرَجَّيْتُهُ وَارْتَجَيْتُهُ وَرَجَيْتُهُ وَكُلُّهُ بِمَعْنَى رَجَوْتُهُ، قَالَ بِشْرٌ يُخَاطِبُ بِنْتَهُ:
فَرَجِّي الْخَيْرَ وَانْتَظِرِي إِيَابِي | إِذَا مَا الْقَارِظُ الْعَنَزِيُّ آبَا |
إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا | وَخَالَفَهَا «٣» فِي بَيْتِ نُوَبٍ عَوَامِلِ |
(٢). آية ١٣ سورة نوح.
(٣). خالفها (بالخاء المعجمة): خلفها إلى عسلها وهى غائبة فقد سرحت ترعى. يروى:" حالفها- عواسل" بالحاء المهملة، أي لازمها. والنوب: النحل، وهو جمع نائب، لأنها ترعى ثم تنوب إلى موضعها.