اصْطِنَاعُ الْمَعْرُوفِ وَاجِبٌ. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ يَنْهَى عَنِ الزِّنَى. فَقَالَ: هُوَ فُحْشٌ وَقَبِيحٌ فِي الْعَقْلِ، وَقَدْ صِرْتُ شَيْخًا فَلَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ يَنْهَى عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ. فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَإِنِّي لَا أَصْبِرُ عَلَيْهِ! فَرَجَعَ، وَقَالَ: أَشْرَبُ الْخَمْرَ سَنَةً ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى سَقَطَ عَنِ الْبَعِيرِ فَانْكَسَرَتْ عُنُقُهُ فَمَاتَ. وَكَانَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ شَرَّابًا لَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ غَمَزَ عُكْنَةَ «١» ابْنَتَهُ وَهُوَ سَكْرَانُ، وَسَبَّ أَبَوَيْهِ، وَرَأَى الْقَمَرَ فَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ، وَأَعْطَى الْخَمَّارَ كَثِيرًا مِنْ مَالِهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَحَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَفِيهَا يَقُولُ:
رَأَيْتُ الْخَمْرَ صَالِحَةً وَفِيهَا | خِصَالٌ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الْحَلِيمَا |
فَلَا وَاللَّهِ أَشْرَبُهَا صَحِيحًا | وَلَا أُشْفَى بِهَا أَبَدًا سَقِيمَا |
وَلَا أُعْطِي بِهَا ثَمَنًا حَيَاتِي | وَلَا أَدْعُو لَهَا أَبَدًا نَدِيمَا |
فَإِنَّ الْخَمْرَ تَفْضَحُ شَارِبِيَهَا | وَتُجْنِيهِمْ بِهَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَا |
إِذَا مِتُّ فَادْفِنِّي إِلَى جَنْبِ كَرْمَةٍ | تَرْوِي عِظَامِي بَعْدَ مَوْتِي عُرُوقُهَا |
وَلَا تَدْفِنَنِّي بِالْفَلَاةِ فَإِنَّنِي | أَخَافُ إِذَا مَا مِتُّ أَنْ لَا أَذُوقُهَا «٢» |
(٢). بالرفع، إما على إهمال" أن" وإما على أنها مخففة من الثقيلة.
(٣). البهم (بضم ففتح جمع البهمة): الفارس الَّذِي لَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ يُؤْتَى لَهُ من شدة بأسه.
(٤). زيادة عن كتاب" الاستيعاب".
(٥). بهرجتني: أي أهدرتني بإسقاط الحد عنى.