وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُقَامُ فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ «١» وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ قُلْتُ: وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ أَصَابَ حَدًّا [فِي الْحَرَمِ] «٢» أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ فِي الْحِلِّ وَلَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ لَمْ يُكَلَّمْ وَلَمْ يُبَايَعْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ. فَهَذِهِ حُجَّةُ الْكُوفِيِّينَ، وَقَدْ فَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ، وَهُوَ حَبْرُ الْأُمَّةِ وَعَالِمُهَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ تَعْدِيدَ النِّعَمِ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ بِهَا جَاهِلًا وَلَهَا مُنْكِرًا مِنَ الْعَرَبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ" [العنكبوت: ٦٧] «٣» فَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ دَخَلَهُ وَلَجَأَ إِلَيْهِ أَمِنَ مِنَ الْغَارَةِ وَالْقَتْلِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" الْمَائِدَةِ"»
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ قَتَادَةُ: وَمَنْ دَخَلَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ آمِنًا. وَهَذَا حَسَنٌ. وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْمُلْحِدَةِ قَالَ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ: أَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ" وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً" فَقَدْ دَخَلْنَاهُ وَفَعَلْنَا كَذَا وَكَذَا فَلَمْ يَأْمَنْ مَنْ كَانَ فِيهِ! قَالَ لَهُ: أَلَسْتَ مِنَ الْعَرَبِ! مَا الَّذِي يُرِيدُ الْقَائِلَ مَنْ دَخَلَ دَارِي كَانَ «٥» آمِنًا؟ أَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ أَطَاعَهُ: كُفَّ عَنْهُ فَقَدْ أَمَّنْتُهُ وَكَفَفْتُ عَنْهُ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ" وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً". وَقَالَ يَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ: مَعْنَى" وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً" يَعْنِي مِنَ النَّارِ. قُلْتُ: وَهَذَا لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، لِأَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سعيد الخدري حديث الشفاعة الطويل (فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ يَقُولُونَ رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ) الْحَدِيثَ. وَإِنَّمَا يَكُونُ آمِنًا مِنَ النَّارِ مَنْ دَخَلَهُ لِقَضَاءِ النُّسُكِ مُعَظِّمًا لَهُ عَارِفًا بِحَقِّهِ مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: مَنْ دَخَلَهُ على الصفاء
(٢). من دوز.
(٣). راجع ج ١٣ ص ٣٦٣.
(٤). راجع ج ٦ ص ٣٢٥.
(٥). في د: فهو آمن.