قُلْتُ: هَذَا يَقُولُهُ فِي زَمَانِهِ، فَكَيْفَ فِي زَمَانِنَا هَذَا الَّذِي يُرَى فِيهِ الْإِنْسَانُ مُكِبًّا عَلَى الظُّلْمِ! حَرِيصًا عَلَيْهِ لَا يُقْلِعُ، وَالسُّبْحَةُ فِي يَدِهِ زَاعِمًا أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَنْبِهِ وَذَلِكَ اسْتِهْزَاءٌ مِنْهُ وَاسْتِخْفَافٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ" وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً" [البقرة: ٢٣١]. وَقَدْ تَقَدَّمَ «١». الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) أَيْ لَيْسَ أَحَدٌ يَغْفِرُ الْمَعْصِيَةَ وَلَا يُزِيلُ عُقُوبَتَهَا إِلَّا اللَّهُ. (وَلَمْ يُصِرُّوا) أَيْ وَلَمْ يَثْبُتُوا وَيَعْزِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ وَلَمْ يَمْضُوا. وَقَالَ مَعْبَدُ بْنُ صُبَيْحٍ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عُثْمَانَ وَعَلِيٌّ إِلَى جَانِبِي، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: صَلَّيْتُ بِغَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ ذَهَبَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى. (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ). الْإِصْرَارُ هُوَ الْعَزْمُ بِالْقَلْبِ عَلَى الْأَمْرِ وَتَرْكُ الْإِقْلَاعِ عَنْهُ. وَمِنْهُ صَرُّ الدَّنَانِيرِ أَيِ الرَّبْطُ عَلَيْهَا، قَالَ الْحُطَيْئَةُ يَصِفُ الْخَيْلَ:
عَوَابِسُ بِالشُّعْثِ الْكُمَاةِ إِذَا ابْتَغَوْا | عُلَالَتَهَا بِالْمُحْصَدَاتِ «٢» أَصَرَّتِ |
يُصِرُّ بِاللَّيْلِ مَا تُخْفِي شَوَاكِلُهُ «٣» | يَا وَيْحَ كُلِّ مُصِرِّ الْقَلْبِ خَتَّارِ «٤» |
(٢). العلالة (بالضم): بقية جرى الفرس، والمحصدات: السباط المفتولة.
(٣). الشواكل: الطرق المنشعبة عن الطريق الأعظم.
(٤). الختر: شبيه بالغدر والخديعة. وقيل: هو أسوأ الغدر وأقبحه، و" اخْتارَ" للبالغة
(٥). في ب ود.