قُلْتُ: وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ الْقُعُودُ؟ قَالُوا: هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ. قَالَ: مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالُوا: ابْنُ عمر، فأتاه فقال: إني سائلك عن شي أَتُحَدِّثُنِي؟ قَالَ: أَنْشُدُكَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ، أَتَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَعْلَمُهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: فَكَبَّرَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ لِأُخْبِرَكَ وَلِأُبَيِّنَ لَكَ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ. وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ من شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ). وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَبَعَثَهُ مَكَانُهُ، فبعث عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ «١» النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: (هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ) فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ «٢» فَقَالَ: (هَذِهِ لِعُثْمَانَ). اذْهَبْ بِهَذَا «٣» الْآنَ مَعَكَ. قُلْتُ: وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَرَادَ تَوْبِيخَ آدَمَ وَلَوْمَهُ فِي إِخْرَاجِ نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ مِنَ الْجَنَّةِ بِسَبَبِ أَكْلِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: (أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً تَابَ عَلَيَّ مِنْهُ وَمَنْ تَابَ عَلَيْهِ فَلَا ذَنْبَ لَهُ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ لَوْمٌ (. وَكَذَلِكَ مَنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا لِإِخْبَارِهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَخَبَرُهُ صِدْقٌ. وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُذْنِبِينَ التَّائِبِينَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ، فَهُمْ عَلَى وَجَلٍ وَخَوْفٍ أَلَّا تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ، وَإِنْ قُبِلَتْ فَالْخَوْفُ أَغْلَبُ عَلَيْهِمْ إِذْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بذلك. فأعلم.
(٢). أي اليسرى.
(٣). في رواية (بها) أي بالأجوبة التي أجبتك التي أجبتك بها حتى يزول عنك ما كنت تعتقده من عيب عثمان. (عن القسطلاني) في ب وهـ ود: بهذه.