حَبْرَانِ مِنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا أَبْصَرَا الْمَدِينَةَ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ بِصِفَةِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ!. فَلَمَّا دَخَلَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَاهُ بِالصِّفَةِ وَالنَّعْتِ، فَقَالَا لَهُ: أَنْتَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ (نَعَمْ). قَالَا: وَأَنْتَ أَحْمَدُ؟ قَالَ: (نَعَمْ). قَالَا: نَسْأَلُكَ عَنْ شَهَادَةٍ، فَإِنْ أَنْتَ أَخْبَرْتَنَا بِهَا آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ. فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَلَانِي). فَقَالَا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَعْظَمِ «١» شَهَادَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ" فَأَسْلَمَ الرَّجُلَانِ وَصَدَّقَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِأُولِي الْعِلْمِ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وقال ابن كيسان: المهاجرون والأنصار. مقاتل: مؤمنوا أَهْلِ الْكِتَابِ. السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ عَامٌّ. الثَّانِيَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الْعِلْمِ وَشَرَفِ الْعُلَمَاءِ وَفَضْلِهِمْ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَشْرَفَ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَقَرَنَهُمُ اللَّهُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ مَلَائِكَتِهِ كَمَا قَرَنَ اسْمَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ فِي شَرَفِ الْعِلْمِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً" «٢» فلو كان شي أَشْرَفَ مِنَ الْعِلْمِ لَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَزِيدَ مِنْهُ كَمَا أَمَرَ أَنْ يَسْتَزِيدَهُ مِنَ الْعِلْمِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ). وَقَالَ: (الْعُلَمَاءُ أُمَنَاءُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ). وَهَذَا شَرَفٌ لِلْعُلَمَاءِ عَظِيمٌ، وَمَحَلٌّ لَهُمْ فِي الدِّينِ خَطِيرٌ. وَخَرَّجَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْحَافِظُ مِنْ حديث بركة ابن نَشِيطٍ- وَهُوَ عَنْكَلُ بْنُ حَكَّاركٍ وَتَفْسِيرُهُ بَرَكَةُ بن نشيط- وكان حافظا، حدثنا عمر ابن الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْخَصِيبِ حَدَّثَنَا عَنْكَلٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ يُحِبُّهُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمُ الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ إِذَا مَاتُوا إِلَى يَوْمِ القيامة). وفى هذا الباب [حديث] عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ. الثَّالِثَةُ- رَوَى غَالِبٌ الْقَطَّانُ قَالَ: أَتَيْتُ الْكُوفَةَ فِي تارة فَنَزَلْتُ قَرِيبًا مِنَ الْأَعْمَشِ فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أَرَدْتُ أَنْ أَنْحَدِرَ إِلَى الْبَصْرَةِ قَامَ فَتَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَرَأَ بِهَذِهِ الْآيَةِ:" شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ"

(١). في ا: الأعظم.
(٢). راجع ج ١١ ص ٢٥.


الصفحة التالية
Icon