أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ، وَمَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ أَصْوَبُ وَأَبْيَنُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ الْمَوْصُوفَةِ شي عَلَى حَدِّ" اللَّهُمَّ" لِأَنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ ضُمَّ إِلَيْهِ صَوْتٌ، وَالْأَصْوَاتُ لَا تُوصَفُ، نَحْوَ غَاقٍ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَكَانَ حُكْمُ الِاسْمِ الْمُفْرَدِ أَلَّا يُوصَفَ وَإِنْ كَانُوا قَدْ وَصَفُوهُ فِي مَوَاضِعَ. فَلَمَّا ضُمَّ هُنَا مَا لَا يُوصَفُ إِلَى مَا كَانَ قِيَاسُهُ أَلَّا يُوصَفَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ صَوْتٍ ضُمَّ إِلَى صَوْتٍ، نَحْوَ حَيَّهَلْ فَلَمْ يُوصَفْ. وَ" الْمُلْكِ" هُنَا النُّبُوَّةُ، عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقِيلَ، الْغَلَبَةُ. وَقِيلَ: الْمَالُ وَالْعَبِيدُ. الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى مَالِكُ الْعِبَادِ وَمَا مَلَكُوا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى مَالِكُ الدنيا والآخرة. ومعنى (تُؤْتِي الْمُلْكَ) أي «١» أَيِ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ. (مَنْ تَشاءُ) أَيْ مَنْ تَشَاءُ أَنْ تُؤْتِيَهُ إِيَّاهُ، وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهُ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقْدِيرِ الْحَذْفِ، أَيْ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ أَنْ تَنْزِعَهُ مِنْهُ، ثُمَّ حَذَفَ هَذَا، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

أَلَا هَلْ لِهَذَا الدَّهْرِ مِنْ مُتَعَلَّلِ عَلَى النَّاسِ مَهْمَا شَاءَ بِالنَّاسِ يَفْعَلِ «٢»
قَالَ الزَّجَّاجُ: مَهْمَا شَاءَ أن يفعل بالناس يفعل. وقوله: (تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) يُقَالُ: عَزَّ إِذَا عَلَا وَقَهَرَ وَغَلَبَ، وَمِنْهُ،" وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ" «٣»." (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) " ذل يذل ذلا [إِذَا غَلَبَ وَعَلَا وَقَهَرَ «٤»]. قَالَ طَرَفَةُ:
بَطِيءٍ عَنِ الْجُلَّى سَرِيعٍ إِلَى الْخَنَا ذَلِيلٍ بِأَجْمَاعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ «٥»
(بِيَدِكَ الْخَيْرُ) أَيْ بِيَدِكَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ فَحُذِفَ، كَمَا قَالَ:" سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ" «٦». وَقِيلَ: خَصَّ الْخَيْرَ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ دُعَاءٍ وَرَغْبَةٍ فِي فَضْلِهِ. قَالَ النَّقَّاشُ: بِيَدِكَ الْخَيْرُ، أَيِ النَّصْرُ وَالْغَنِيمَةُ. وَقَالَ أَهْلُ الْإِشَارَاتِ: كَانَ أَبُو جَهْلٍ يَمْلِكُ الْمَالَ الْكَثِيرَ، وَوَقَعَ فِي الرَّسِّ «٧» يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْفُقَرَاءُ صُهَيْبٌ وَبِلَالٌ وَخَبَّابٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ، وَكَانَ مُلْكُهُمُ الْإِيمَانَ،" قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ" تُقِيمُ الرَّسُولَ يَتِيمَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى رَأْسِ الرس حتى ينادي أبدانا قد انقلبت
(١). في ز: توتى الايمان.
(٢). البيت للأسود بن يعفر النهشلي. يقول: إن هذا الدهر يذهب ببهجة الإنسان وشبابه، ويتعلل في فعله ذلك تعلل المتجني على غيره (عن شرح الشواهد).
(٣). راجع ج ١٥ ص ١٧٤.
(٤). من ب ود.
(٥). الجلى: الامر العظيم الذي يدعى له ذوو الرأى. والخنى: الفساد والفحش في المنطق. والذليل: المقصور، وهو ضد العزيز وأجماع. جمع جمع، وهو ظهر الكف إذا جمعت أصابعك. وضممتها. والملهد: المضروب، وهو المدفع. (عن شرح المعلقات).
(٦). راجع ج ١٠ ص ١٦٠.
(٧). الرس: البئر المطوية بالحجارة


الصفحة التالية
Icon