تُؤَدَةٍ وَتُهَمَةٍ، قُلِبَتِ الْوَاوُ تَاءً وَالْيَاءُ أَلِفًا. وروى الضحاك ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ بَدْرِيًّا تَقِيًّا وَكَانَ لَهُ حِلْفٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ قَالَ عُبَادَةُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ مَعِي خَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ يَخْرُجُوا مَعِي فَأَسْتَظْهِرُ بِهِمْ عَلَى الْعَدُوِّ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" الْآيَةَ. وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ تَكَلَّمَ بِبَعْضِ مَا أَرَادَ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي [النَّحْلِ]. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ. ثُمَّ اسْتَغْنُوا عَنْ ذَلِكَ بِذَا وَصَارَ الْمُسْتَعْمَلَ، قَالَ تَعَالَى:" تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ" «١» فَمَعْنَاهُ تَعْلَمُ مَا عِنْدِي وَمَا فِي حَقِيقَتِي وَلَا أَعْلَمُ مَا عِنْدَكَ وَلَا مَا فِي حَقِيقَتِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: المعنى ويحذركم الله عقابه، مثل" وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ". وَقَالَ:" تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي" أَيْ مُغَيَّبِي، فَجُعِلَتِ النَّفْسُ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ لِأَنَّهُ فِيهَا يَكُونُ. (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) أَيْ وَإِلَى جزاء الله المصير. وفية إقرار بالبعث.
[سورة آل عمران (٣): آية ٢٩]
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩). فَهُوَ الْعَالِمُ بِخَفِيَّاتِ الصُّدُورِ وما اشتملت عليه، وبما في السموات وَالْأَرْضِ وَمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ، عَلَّامُ الْغُيُوبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ وَلَا يَغِيبُ عَنْهُ شي، سُبْحَانَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ.

(١). راجع ج ٦ ص ٣٧٦.


الصفحة التالية
Icon