وَالنَّجْلُ الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ النَّزِّ. وَاسْتَنْجَلَتِ الْأَرْضُ، وَبِهَا نِجَالٌ إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الْمَاءُ، فَسُمِّيَ الْإِنْجِيلُ بِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْرَجَ بِهِ دَارِسًا مِنَ الْحَقِّ عَافِيًا. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ النَّجَلِ فِي الْعَيْنِ (بِالتَّحْرِيكِ) وَهُوَ سَعَتُهَا، وَطَعْنَةٌ نَجْلَاءُ، أَيْ وَاسِعَةٌ، قَالَ:

رُبَّمَا ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ صَقِيلٍ بَيْنَ بُصْرَى وَطَعْنَةٍ نَجْلَاءَ
فَسُمِّيَ الْإِنْجِيلُ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَصْلٌ أَخْرَجَهُ لَهُمْ وَوَسَّعَهُ عَلَيْهِمْ وَنُورًا وَضِيَاءً. وَقِيلَ: التَّنَاجُلُ التَّنَازُعُ، وَسُمِّيَ إِنْجِيلًا لِتَنَازُعِ النَّاسِ فِيهِ. وَحَكَى شِمْرٌ عَنْ بَعْضِهِمْ: الْإِنْجِيلُ كُلُّ كِتَابٍ مَكْتُوبٍ وَافِرِ السُّطُورِ. وقيل: نحل عَمِلَ وَصَنَعَ، قَالَ:
وَأَنْجِلْ فِي ذَاكَ الصَّنِيعِ كَمَا نَجَلْ
أَيِ اعْمَلْ وَاصْنَعْ. وَقِيلَ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ مِنَ اللُّغَةِ السُّرْيَانِيَّةِ. وَقِيلَ: الْإِنْجِيلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ إِنْكِلْيُونَ «١»، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْإِنْجِيلُ كِتَابُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، فَمَنْ أَنَّثَ أَرَادَ الصَّحِيفَةَ، وَمَنْ ذَكَّرَ أَرَادَ الْكِتَابَ. قَالَ غَيْرُهُ: وَقَدْ يُسَمَّى الْقُرْآنُ إِنْجِيلًا أَيْضًا، كَمَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ مُنَاجَاةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ:" يَا رَبِّ أَرَى فِي الْأَلْوَاحِ أَقْوَامًا أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي". فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ:" تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْأَنَاجِيلِ الْقُرْآنَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ:" وَالْأَنْجِيلَ" بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ مِثْلَ الْإِكْلِيلِ، لُغَتَانِ. وَيُحْتَمَلُ [إِنْ سُمِعَ] «٢» أَنْ يَكُونَ مِمَّا عَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْأَعْجَمِيَّةِ، وَلَا مِثَالَ لَهُ فِي كَلَامِهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي الْقُرْآنَ (هُدىً لِلنَّاسِ) قَالَ ابْنُ فُورَكَ «٣»: التَّقْدِيرُ هُدًى لِلنَّاسِ الْمُتَّقِينَ، دَلِيلُهُ فِي الْبَقَرَةِ" هُدىً لِلْمُتَّقِينَ" فَرَدَّ هَذَا الْعَامَّ إِلَى ذَلِكَ الْخَاصِّ. وَ" هُدًى" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَ (الْفُرْقانَ) الْقُرْآنُ. وَقَدْ تقدم.
(١). في بعض كتب اللغة: إنجيل لفظ يوناني.
(٢). الزيادة من نسخة: ب.
(٣). ابن فورك (بضم الفاء وسكون الواو وفتح الراء) هو أبو بكر بن محمد بن الحسن بن فورك، المتكلم الأصولي الأديب النحوي الواعظ الأصبهاني، توفي سنة ست وأربعمائة. (عن ابن خلكان)


الصفحة التالية
Icon