السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُطَاوِعَةَ فِي نهار رمضان لزوجها على الوطي لَا تُسَاوِيهِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا، ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَهَذِهِ مِنْهُ غَفْلَةٌ، فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ عَنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلنَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ، وَهَذِهِ الصَّالِحَةُ إِنَّمَا قَصَدَتْ بِكَلَامِهَا مَا تَشْهَدُ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ حَالِهَا وَمَقْطَعُ كَلَامِهَا، فَإِنَّهَا نَذَرَتْ خِدْمَةَ الْمَسْجِدِ فِي وَلَدِهَا، فَلَمَّا رَأَتْهُ أُنْثَى لَا تَصْلُحُ وَأَنَّهَا عَوْرَةٌ اعْتَذَرَتْ إِلَى رَبِّهَا مِنْ وُجُودِهَا لَهَا «١» عَلَى خِلَافِ مَا قَصَدَتْهُ فِيهَا. وَلَمْ يَنْصَرِفْ" مَرْيَمَ" لِأَنَّهُ مؤنث معرفة، وهو أيضا أعجمي، قال النَّحَّاسُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) يَعْنِي خَادِمَ الرَّبِّ فِي لُغَتِهِمْ. (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ) يَعْنِي مَرْيَمَ. (وَذُرِّيَّتَها) يَعْنِي عِيسَى. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذُّرِّيَّةَ قَدْ تَقَعُ عَلَى الْوَلَدِ خَاصَّةً. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ [الشَّيْطَانِ] «٢» إِلَّا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ) ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ:" وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ". قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَأَفَادَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَجَابَ دُعَاءَ أُمِّ مَرْيَمَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْخُسُ جَمِيعَ وَلَدِ آدَمَ حَتَّى الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا. قَالَ قَتَادَةُ: كُلُّ مَوْلُودٍ يَطْعَنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ حِينَ يُولَدُ غَيْرَ عِيسَى وَأُمِّهِ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ فَأَصَابَتِ الطَّعْنَةُ الحجاب ولم ينفذ لها منه شي، قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَطَلَتِ الْخُصُوصِيَّةُ بِهِمَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ نَخْسَ الشَّيْطَانِ يَلْزَمُ مِنْهُ إِضْلَالُ الْمَمْسُوسِ وَإِغْوَاؤُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ ظَنٌّ فَاسِدٌ، فَكَمْ تَعَرَّضَ الشَّيْطَانُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ بِأَنْوَاعِ الْإِفْسَادِ وَالْإِغْوَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ فَعَصَمَهُمُ «٣» اللَّهُ مِمَّا يَرُومُهُ الشَّيْطَانُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ" [الحجر: ٤٢] «٤». هَذَا مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ قَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرْيَمُ وَابْنُهَا وَإِنْ عُصِمَا مِنْ نَخْسِهِ فَلَمْ يُعْصَمَا مِنْ مُلَازَمَتِهِ لَهُمَا وَمُقَارَنَتِهِ. وَاللَّهُ أعلم.
(٢). زيادة من صحيح مسلم.
(٣). كذا في ب ود بالفاء. [..... ]
(٤). راجع ج ١٠ ص ٢٨.