قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ) " وَهُوَ قائِمٌ" ابْتِدَاءٌ وَخَبَرُ" يُصَلِّي" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَإِنْ شِئْتَ كَانَ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمُضْمَرِ." أَنَّ اللَّهَ" أَيْ بِأَنَّ اللَّهَ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «١» " إِنَّ" أَيْ قَالَتْ إِنَّ اللَّهَ، فَالنِّدَاءُ بِمَعْنَى الْقَوْلِ." يُبَشِّرُكَ" بِالتَّشْدِيدِ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ" يَبْشُرُكَ" مُخَفَّفًا، وَكَذَلِكَ حُمَيْدُ بْنُ الْقَيْسِ الْمَكِّيُّ إِلَّا أَنَّهُ كَسَرَ الشِّينَ وَضَمَّ الْيَاءَ وَخَفَّفَ الْبَاءَ. قَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. دَلِيلُ الْأُولَى هِيَ قِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ أَنَّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا مِنْ فِعْلٍ مَاضٍ أَوْ أَمْرٍ فَهُوَ بِالتَّثْقِيلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَبَشِّرْ عِبادِ" [الزمر: ١٧] «٢» " فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ" [يس: ١١] " فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ" [هود: ٧١] «٣» " قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ" [الحجر: ٥٥] «٤». وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَهِيَ مِنْ بَشَرَ «٥» يَبْشُرُ وَهِيَ لُغَةُ تِهَامَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
بَشَرْتُ عِيَالِي إِذْ رَأَيْتُ صَحِيفَةً | أَتَتْكَ مِنَ الْحَجَّاجِ يُتْلَى كِتَابُهَا |
وَإِذَا رَأَيْتَ الْبَاهِشِينَ» إِلَى النَّدَى | غُبْرًا أَكُفُّهُمُ بِقَاعٍ مُمْحِلٍ |
فَأَعِنْهُمُ وَابْشَرْ بِمَا بَشِرُوا بِهِ | وَإِذَا هُمُ نَزَلُوا بِضَنْكٍ فَانْزِلِ |
يَا أُمَّ عَمْرٍو أَبْشِرِي بِالْبُشْرَى | مَوْتٍ ذَرِيعٍ وَجَرَادٍ عَظْلَى «٨» |
(٢). راجع ج ١٥ ص ٢٤٣ وص ١١ وص ١١٢. وفى أكثر الأصول:" عبادي" بالياء وهو رسم ورش في مصاحب المغرب.
(٣). راجع ج ٩ ص ٦٩.
(٤). راجع ج ١٠ ص ٣٥.
(٥). كذا في الأصول والبغوي. والذي في البحر وابن عطية:" وفى قراءة عبد الله بن مسعود يبشرك بضم الياء وتخفيف الشين المكسورة من أبشر، وهكذا قرأ في كل القرآن".
(٦). هو عطية بن زيد، وقال ابن برى هو لعبد القيس بن خفاف البرجمي. (عن اللسان).
(٧). قال أب عبيد: يقال للإنسان إذا نظر إلى شي فأعجبه واشتهاه فتناوله وأسرع نحوه وفرح به: بهش إليه.
(٨). جراد عاظلة وعظلى: لا تبرح. في اللسان:" أراد أن يقول: يا أم عامر فلم يستقيم له البيت فقال يا أم عمرو، وام عامر كنية الضج: ومن كلامهم للضبع: أبشري بجراد عظلى، وكم رجال قتلى". [..... ]