فِيهِ تِسْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- خَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ" قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ". وَعَنْ أَبِي غَالِبٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ أَبِي أُمَامَةَ وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَإِذَا رءوس منصوبة، فقال: ما هذه الرؤوس؟ قِيلَ: هَذِهِ رُءُوسُ خَوَارِجَ يُجَاءُ بِهِمْ مِنَ الْعِرَاقِ فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: كِلَابُ النَّارِ كِلَابُ النَّارِ كِلَابُ النَّارِ! شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ- يَقُولُهَا ثَلَاثًا- ثُمَّ بَكَى. فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟ قَالَ: رَحْمَةً لَهُمْ، إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَخَرَجُوا مِنْهُ، ثُمَّ قَرَأَ" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ... " إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. ثُمَّ قَرَأَ" وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ" «١». فَقُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، هُمْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْتُ: أَشَيْءٌ تَقُولُهُ بِرَأْيِكَ أَمْ شي سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: إنى إذا لجرى إنى إذا لجرى! بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ وَلَا أَرْبَعٍ وَلَا خَمْسٍ وَلَا سِتٍ وَلَا سَبْعٍ، وَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، قَالَ: وَإِلَّا فَصُمَّتَا- قَالَهَا ثَلَاثًا- ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:" تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهُمْ فِي النَّارِ وَلَتَزِيدَنَّ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَاحِدَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهُمْ فِي النَّارِ". الثَّانِيَةُ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُحْكَمَاتِ وَالْمُتَشَابِهَاتِ عَلَى أَقْوَالٍ عَدِيدَةٍ، فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الشَّعْبِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا: الْمُحْكَمَاتُ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ مَا عُرِفَ تَأْوِيلُهُ وَفُهِمَ مَعْنَاهُ وَتَفْسِيرُهُ وَالْمُتَشَابِهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ إِلَى عِلْمِهِ سَبِيلٌ مما استأثر الله تعالى بعلمه