فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ. قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ (. وَرُوِيَ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَكِبَ بَغْلَةً ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرْدَفَ غُلَامَهُ خَلْفَهُ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: لَوْ أَنْزَلْتَهُ يَسْعَى خَلْفَ دَابَّتِكَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَأَنْ يَسْعَى مَعِي ضِغْثَانِ «١» مِنْ نَارٍ يُحْرِقَانِ مِنِّي مَا أَحْرَقَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْعَى غُلَامِي خَلْفِي. وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَايَمَكُمْ مِنْ مَمْلُوكِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُ مِمَّا تَكْتَسُونَ وَمَنْ لَا يلائمكم مِنْهُمْ فَبِيعُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ (. لَايَمَكُمْ وافقكم. والملائمة الْمُوَافَقَةُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:) لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ) وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي بَلْ لِيَقُلْ فَتَايَ وَفَتَاتِي) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ يُوسُفَ «٢» عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَنَدَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّادَةَ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَحَضَّهُمْ عَلَيْهَا وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى الْإِحْسَانِ وَإِلَى سُلُوكِ طَرِيقِ التَّوَاضُعِ حتى لا يرو الا نفسهم مَزِيَّةً عَلَى عَبِيدِهِمْ، إِذِ الْكُلُّ عَبِيدُ اللَّهِ وَالْمَالُ مَالُ اللَّهِ، لَكِنْ سَخَّرَ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ، وَمَلَّكَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا إِتْمَامًا لِلنِّعْمَةِ وَتَنْفِيذًا لِلْحِكْمَةِ، فَإِنْ أَطْعَمُوهُمْ أَقَلَّ مِمَّا يَأْكُلُونَ، وَأَلْبَسُوهُمْ أَقَلَّ مِمَّا يَلْبَسُونَ صِفَةً وَمِقْدَارًا جَازَ إِذَا قَامَ بِوَاجِبِهِ عَلَيْهِ. وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ «٣» لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ: أَعْطَيْتُ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قَالَ لَا. قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلُكُ قُوتَهُمْ). الْخَامِسَةُ عَشْرَةَ- ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ ضَرَبَ عَبْدَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ «٤»). وَمَعْنَاهُ أَنْ يَضْرِبَهُ قَدْرَ الْحَدِّ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ. وَجَاءَ عَنْ نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمُ اقْتَصُّوا لِلْخَادِمِ مِنَ الْوَلَدِ فِي الضَّرْبِ وَأَعْتَقُوا الْخَادِمَ لَمَّا لَمْ يرد
(٢). راجع ج ٩ ص ١٧٦، ١٨٨، ٢٢٢.
(٣). القهرمان (بفتح القاف وتضم) كالخازن والوكيل، والحافظ. لما تحت يده والقائم بأمور الرجل، بلغة الفرس.
(٤). الحديث في مسلم: (ضرب غلاما له- فان كفارته). [..... ]