حَذْفِ التَّاءِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا تَمَنَّوْا هَذَا حِينَ رَأَوُا الْبَهَائِمَ تَصِيرُ تُرَابًا وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ مُخَلَّدُونَ في النار، وهذا معنى قوله تعالى: َ- يَقُولُ الْكافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
«١» وَقِيلَ: إِنَّمَا تَمَنَّوْا هَذَا حِينَ شَهِدَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً «٢») الْآيَةَ. فَتَقُولُ الْأُمَمُ الْخَالِيَةُ: إِنَّ فِيهِمُ الزُّنَاةَ وَالسُّرَّاقَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فَيُزَكِّيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ الْمُشْرِكُونَ: (وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ «٣») فَيُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) يَعْنِي تُخْسَفُ بِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قاله تَعَالَى: (وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: (وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) مُسْتَأْنَفٌ، لِأَنَّ مَا عَمِلُوهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى كِتْمَانِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَعْطُوفٌ، وَالْمَعْنَى يَوَدُّ لَوْ أَنَّ الْأَرْضَ سُوِّيَتْ بِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكْتُمُوا اللَّهَ حَدِيثًا، لِأَنَّهُ ظَهَرَ كذبهم. وسيل ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) فَقَالَ: لَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا أَهْلُ الْإِسْلَامِ قَالُوا: (وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) فَخَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتَكَلَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ فَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: الْآخِرَةُ مَوَاطِنُ يَكُونُ هَذَا فِي بَعْضِهَا وَهَذَا فِي بَعْضِهَا. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ وَحُوسِبُوا لَمْ يَكْتُمُوا. وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ فِي (الْأَنْعَامِ «٤») إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[سورة النساء (٤): آية ٤٣]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)
(٢). راجع ج ٢ ص ١٥٣.
(٣). راجع ج ٦ ص ٤٠١
(٤). راجع ج ٦ ص ٤٠١