هِشَامٍ أَنَّ الْقِلَادَةَ كَانَتْ لِأَسْمَاءَ، وَأَنَّ عَائِشَةَ اسْتَعَارَتْهَا مِنْ أَسْمَاءَ. وَهَذَا بَيَانٌ لِحَدِيثِ مَالِكٍ إِذَا قَالَ: انْقَطَعَ عِقْدٌ لِعَائِشَةَ، وَلِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ إِذْ قَالَ: هَلَكَتْ قِلَادَةٌ لِأَسْمَاءَ. وَفِيهِ أَنَّ الْمَكَانَ يُقَالُ لَهُ الصُّلْصُلُ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا هشام ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَقَطَتْ قِلَادَتُهَا لَيْلَةَ الْأَبْوَاءِ «١»، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ فِي طَلَبِهَا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ هِشَامٍ أَيْضًا إِضَافَةُ الْقِلَادَةِ إِلَيْهَا، لَكِنْ إِضَافَةُ مُسْتَعِيرٍ بِدَلِيلِ حَدِيثِ النَّسَائِيِّ. وَقَالَ فِي الْمَكَانِ: (الْأَبْوَاءُ) كَمَا قَالَ مَالِكٌ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ قَالَ: وَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ. وَجَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَهُ. وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحُ الْمَعْنَى، وَلَيْسَ اخْتِلَافُ النَّقَلَةِ فِي الْعِقْدِ وَالْقِلَادَةِ وَلَا فِي الْمَوْضِعِ مَا يَقْدَحُ فِي الْحَدِيثِ وَلَا يُوهِنُ شَيْئًا مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنَ الْحَدِيثِ وَالْمَقْصُودَ بِهِ إِلَيْهِ هُوَ نُزُولُ التَّيَمُّمِ، وَقَدْ ثَبَتَتِ «٢» الرِّوَايَاتُ فِي أَمْرِ الْقِلَادَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ: فَأَرْسَلَ رَجُلَيْنِ قِيلَ: أَحَدُهُمَا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ. وَلَعَلَّهُمَا الْمُرَادُ بِالرِّجَالِ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، إِذْ أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ، أَوْ أَرْدَفَ فِي أَثَرِهِمَا غير هما فَصَحَّ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَبَعَثُوا فِي طَلَبِهَا فَطَلَبُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا فِي وِجْهَتِهِمْ، فَلَمَّا رَجَعُوا أَثَارُوا الْبَعِيرَ فَوَجَدُوهُ «٣» تَحْتَهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَتْهُمْ جِرَاحَةٌ فَفَشَتْ فِيهِمْ ثُمَّ ابْتُلُوا بِالْجَنَابَةِ فَشَكَوْا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِخِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا أَصَابَتْهُمُ الْجِرَاحَةُ فِي غَزْوَتِهِمْ تِلْكَ الَّتِي قَفَلُوا مِنْهَا إِذْ كَانَ فِيهَا قِتَالٌ فَشَكَوْا، وَضَاعَ الْعِقْدُ وَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ضَيَاعَ الْعِقْدِ كَانَ فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ. وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِخِلَافٍ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي غَزَاةِ الْمُرَيْسِيعِ، إِذْ هِيَ غَزَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي شَعْبَانَ مِنَ السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، عَلَى مَا قَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ. وَقِيلَ: بَلْ نُمَيْلَةَ بن عبد الله

(١). الا بواء بفتح الهمزة: منزل بين مكة والمدينة قريب من الحجفة من جهة الشمال على مرحلة.
(٢). في ز وط: بينت الروايات أمر إلخ.
(٣). الضمير أولا للقلادة، وثانيا للعقد. [..... ]


الصفحة التالية
Icon