وَأُخْرَاهُمْ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ فَخَاصٌّ، وَأَخَصُّ مِنْهُ الْقَوْلُ الرَّابِعُ. وَأَمَّا الْخَامِسُ فَيَأْبَاهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا، فَإِنَّ الْعَقْلَ لِكُلِّ فَضِيلَةٍ أُسٌّ، وَلِكُلِّ أَدَبٍ يَنْبُوعٌ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلدِّينِ أَصْلًا وَلِلدُّنْيَا عِمَادًا، فَأَوْجَبَ اللَّهُ التَّكْلِيفَ بِكَمَالِهِ، وَجَعَلَ الدُّنْيَا مُدَبَّرَةً بِأَحْكَامِهِ، وَالْعَاقِلُ أَقْرَبُ إِلَى رَبِّهِ تَعَالَى مِنْ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ بِغَيْرِ عَقْلٍ. وَرَوَى هَذَا الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِأُولِي الْأَمْرِ عَلِيٌّ وَالْأَئِمَّةُ الْمَعْصُومُونَ. وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا كَانَ لِقَوْلِهِ: (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) مَعْنًى، بَلْ كَانَ يَقُولُ فَرُدُّوهُ إِلَى الْإِمَامِ وَأُولِي الْأَمْرِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ هُوَ الْمُحْكَمُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَهَذَا قَوْلٌ مَهْجُورٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَحَقِيقَةُ الطَّاعَةِ امْتِثَالُ الْأَمْرِ، كَمَا أَنَّ الْمَعْصِيَةَ ضِدَّهَا وَهِيَ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ. وَالطَّاعَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَطَاعَ إِذَا انْقَادَ، وَالْمَعْصِيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَصَى إِذَا اشْتَدَّ. وَ (أُولُو) وَاحِدُهُمْ (ذُو) عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَالنِّسَاءِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ، كُلُّ وَاحِدٍ اسْمُ الْجَمْعِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ. وَقَدْ قِيلَ فِي وَاحِدِ الْخَيْلِ: خَائِلٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ «١». الثَّانِيةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) أَيْ تَجَادَلْتُمْ وَاخْتَلَفْتُمْ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَنْتَزِعُ حُجَّةَ الْآخَرِ وَيُذْهِبُهَا. وَالنَّزْعُ الْجَذْبُ. وَالْمُنَازَعَةُ مُجَاذَبَةُ الْحُجَجِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ (وَأَنَا أَقُولُ مَا لِي يُنَازِعُنِي الْقُرْآنُ «٢»). وقال الأعشى:
نازعتم قُضُبَ الرَّيْحَانِ مُتَّكِئًا | وَقَهْوَةً مُزَّةً رَاوُوقُهَا «٣» خَضِلُ |
(٢). في نهاية ابن الأثير ولسان العرب: (مالى أنازع القرآن). وينازعني: يجاذبني في القراءة، ذلك أن بعض المأمومين جهر خلفه فنازعه قراءته فشغله، فنهاه عن الجهر بالقراءة في الصلاة خلفه.
(٣). الراووق: المصفاة.
(٤). الزيادة في ج.