بِالْغُرَّةِ مَعْنًى لَقَالَ: فِي الْجَنِينِ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، وَلَكِنَّهُ عَنَى الْبَيَاضَ، فَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَةِ إِلَّا غُلَامٌ أَبْيَضُ أَوْ جَارِيَةٌ بَيْضَاءُ، ، لَا يُقْبَلُ فِيهَا أَسْوَدُ وَلَا سَوْدَاءُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قِيمَتِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: تُقَوَّمُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ، نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَعُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَسَائِرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سِنُّ الْغُرَّةِ سَبْعُ سِنِينَ أَوْ ثَمَانُ سِنِينَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا مَعِيبَةً. وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إِعْطَاءِ غُرَّةٍ أَوْ عُشْرِ دِيَةِ الْأُمِّ، مِنَ الذَّهَبِ عِشْرُونَ دِينَارًا إِنْ كَانُوا أَهْلَ ذَهَبٍ، وَمِنَ الْوَرِقِ- إِنْ كَانُوا أَهْلَ وَرِقٍ- سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، أَوْ خَمْسُ فَرَائِضَ «١» مِنَ الْإِبِلِ. قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: هِيَ فِي مَالِ الْجَانِي، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا: هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَهُوَ أَصَحُّ، لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَحْتَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ- فِي رِوَايَةٍ فَتَغَايَرَتَا- فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِعَمُودٍ فَقَتَلَتْهَا، فَاخْتَصَمَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَانِ فَقَالَا «٢»: نَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا أَكَلْ، وَلَا شَرِبَ [وَلَا اسْتَهَلْ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلْ «٣»!]، فَقَالَ: (أَسَجْعٌ كَسَجْعِ»
الْأَعْرَابِ)؟ فَقَضَى فِيهِ غُرَّةً وَجَعَلَهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْمَرْأَةِ. وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ، نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ يُوجِبُ الْحُكْمَ. وَلَمَّا كَانَتْ دِيَةُ الْمَرْأَةِ الْمَضْرُوبَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَانَ الْجَنِينُ كَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ. وَاحْتَجَّ عُلَمَاؤُنَا بِقَوْلِ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ: كَيْفَ أَغْرَمُ؟ قَالُوا: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الْجَانِي. وَلَوْ أَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ قَضَى بِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ لَقَالَ: فَقَالَ الَّذِي «٥» قَضَى عَلَيْهِمْ. وَفِي الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ جَانٍ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ، إِلَّا مَا قَامَ بِخِلَافِهِ الدَّلِيلُ الَّذِي لَا مُعَارِضَ لَهُ، مِثْلُ إِجْمَاعٍ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، أَوْ نَصِّ سُنَّةٍ مِنْ جِهَةِ نَقْلِ الْآحَادِ الْعُدُولِ لَا مُعَارِضَ لَهَا، فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى «٦»).
(٢). في سنن أبى داود: (فقال أحد الرجلين).
(٣). زيادة عن كتب الحديث لا يستقيم الكلام بدونها. ويطل: يهدر دمه.
(٤). قال الخطابي: لم يعبه بمجرد السجع بل بما تضمنه سجعه من الباطل.
(٥). كذا في الأصول. [..... ]
(٦). راجع ج ٧ ص ١٥٦