مُصْلِحًا لِمَالِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ شُرَيْحٍ. وَالثَّانِي لا حجر عليه، وهو اختيار أبى إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ قَوْلُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عباس وعبد الله ابن جَعْفَرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَمِنَ التَّابِعِينَ شُرَيْحٌ، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ: مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الشَّامِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَادَّعَى أَصْحَابُنَا الْإِجْمَاعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. السَّادِسَةُ إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ دَفْعَ الْمَالِ يَكُونُ بِشَرْطَيْنِ: إِينَاسُ الرُّشْدِ وَالْبُلُوغُ، فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُ الْمَالِ، كَذَلِكَ نَصُّ الْآيَةِ. وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْآيَةِ. وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالنَّخَعِيَّ فَإِنَّهُمْ أَسْقَطُوا إِينَاسَ الرُّشْدِ بِبُلُوغِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِكَوْنِهِ جَدًّا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ قَوْلِهِ، وَضَعْفِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَهُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْآيَتَيْنِ حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَالْمُطْلَقُ يُرَدُّ إِلَى الْمُقَيَّدِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأُصُولِ. وَمَاذَا يُغْنِي كَوْنُهُ جَدًّا «١» إِذَا كَانَ غَيْرَ جَدٍّ، أَيْ بُخْتٍ. إِلَّا أَنَّ عُلَمَاءَنَا شَرَطُوا فِي الْجَارِيَةِ دُخُولَ الزَّوْجِ بِهَا مَعَ الْبُلُوغِ، وَحِينَئِذٍ يَقَعُ الِابْتِلَاءُ فِي الرُّشْدِ. وَلَمْ يَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَرَأَوْا الِاخْتِبَارَ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَفَرَّقَ عُلَمَاؤُنَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ قَالُوا: الْأُنْثَى مُخَالِفَةٌ لِلْغُلَامِ لِكَوْنِهَا مَحْجُوبَةً لَا تُعَانِي الْأُمُورَ وَلَا تَبْرُزُ لِأَجْلِ الْبَكَارَةِ فَلِذَلِكَ وُقِفَ فِيهَا عَلَى وُجُودِ النِّكَاحِ، فَبِهِ تُفْهَمُ الْمَقَاصِدُ كُلُّهَا. وَالذَّكَرُ بِخِلَافِهَا، فَإِنَّهُ بِتَصَرُّفِهِ وَمُلَاقَاتِهِ لِلنَّاسِ من أول نشئه إلى بلوغه يحمل لَهُ الِاخْتِبَارُ، وَيَكْمُلُ عَقْلُهُ بِالْبُلُوغِ، فَيَحْصُلُ لَهُ الْغَرَضُ. وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَصْوَبُ، فَإِنَّ نَفْسَ الوطي بِإِدْخَالِ الْحَشَفَةِ لَا يَزِيدُهَا فِي رُشْدِهَا إِذَا كَانَتْ عَارِفَةً بِجَمِيعِ أُمُورِهَا وَمَقَاصِدِهَا، غَيْرَ مُبَذِّرَةٍ لِمَالِهَا. ثُمَّ زَادَ عُلَمَاؤُنَا فَقَالُوا: لَا بُدَّ بعد