السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ. وَالْخِطَابُ لِلْجَمِيعِ، إِذْ لِكُلِّ أَحَدٍ عِشْرَةٌ، زَوْجًا كَانَ أَوْ وَلِيًّا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْأَمْرِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَزْوَاجُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِمْساكٌ «١» بِمَعْرُوفٍ) وَذَلِكَ تَوْفِيَةُ حَقِّهَا مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَأَلَّا يَعْبَسَ فِي وَجْهِهَا بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُنْطَلِقًا فِي الْقَوْلِ لَا فَظًّا وَلَا غَلِيظًا وَلَا مُظْهِرًا مَيْلًا إِلَى غَيْرِهَا. وَالْعِشْرَةُ: الْمُخَالَطَةُ وَالْمُمَازَجَةُ. وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:

فَلَئِنْ شَطَّتْ نَوَاهَا مَرَّةً لَعَلَى عَهْدِ حَبِيبٍ مُعْتَشِرْ
جَعَلَ الْحَبِيبَ جَمْعًا كَالْخَلِيطِ وَالْغَرِيقِ. وَعَاشَرَهُ مُعَاشَرَةً، وَتَعَاشَرَ الْقَوْمُ وَاعْتَشَرُوا. فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِحُسْنِ صُحْبَةِ النِّسَاءِ إِذَا عَقَدُوا عَلَيْهِنَّ لِتَكُونَ أَدَمَةُ «٢» مَا بَيْنَهُمْ وَصُحْبَتُهُمْ عَلَى الْكَمَالِ، فَإِنَّهُ أَهْدَأُ لِلنَّفْسِ وَأَهْنَأُ لِلْعَيْشِ. وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أن يتصنع لها كما تتصنع له. وقال يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَنْظَلِيُّ: أَتَيْتُ مُحَمَّدَ ابن الْحَنَفِيَّةِ فَخَرَجَ إِلَيَّ فِي مِلْحَفَةٍ حَمْرَاءَ وَلِحْيَتُهُ تَقْطُرُ مِنَ الْغَالِيَةِ «٣»، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْمِلْحَفَةَ أَلْقَتْهَا عَلَيَّ امْرَأَتِي وَدَهَنَتْنِي بالطيب، وإنهن يشتهين مناما نَشْتَهِيهِ مِنْهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِامْرَأَتِي كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ [الْمَرْأَةُ «٤»] لِي. وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَإِلَى مَعْنَى الْآيَةِ يُنْظَرُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ) أَيْ لَا يَكُنْ مِنْكَ سُوءُ عِشْرَةٍ مَعَ اعْوِجَاجِهَا، فَعَنْهَا تَنْشَأُ الْمُخَالَفَةُ وَبِهَا يَقَعُ الشِّقَاقُ، وَهُوَ سَبَبُ الْخُلْعِ. السَّابِعَةُ- اسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ لَا يَكْفِيهَا خَادِمٌ وَاحِدٌ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَخْدُمَهَا قَدْرَ كِفَايَتِهَا، كَابْنَةِ الْخَلِيفَةِ وَالْمَلِكِ وَشَبَهِهِمَا مِمَّنْ لَا يَكْفِيهَا خَادِمٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ المعاشرة بالمعروف. وقال الشافعي
(١). راجع ج ٣ ص ١٢٧.
(٢). الأدمة: الخلطة.
(٣). الغالية: نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر وعود ودهن.
(٤). من ج، ط، ز، هـ


الصفحة التالية
Icon