قلت: هذه القضية عَنْ جَعْفَرٍ مَا أَظُنُّهَا تَصِحُّ، وَأَنَّ الْقَوْلَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُزَوِّجُ غُلَامَ هَذَا الْبَطْنِ لِجَارِيَةِ تِلْكَ الْبَطْنِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مِنَ الْكِتَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً" «١»] النساء: ١]. وَهَذَا كَالنَّصِّ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ" الْبَقَرَةِ" «٢». وَكَانَ جَمِيعُ مَا وَلَدَتْهُ حَوَّاءُ أَرْبَعِينَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فِي عِشْرِينَ بَطْنًا، أَوَّلُهُمْ قَابِيلُ وَتَوْأَمَتُهُ إِقْلِيمِيَاءُ، وَآخِرُهُمْ عَبْدُ الْمُغِيثِ. ثُمَّ بَارَكَ اللَّهُ فِي نَسْلِ آدَمَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَمُتْ آدَمُ حَتَّى بَلَغَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفًا. وَمَا رُوِيَ عَنْ جَعْفَرٍ- مِنْ قَوْلِهِ: فَوَلَدَتْ بِنْتًا وَأَنَّهَا بَغَتْ- فَيُقَالُ: مَعَ مَنْ بَغَتْ؟ أَمَعَ جِنِّيٍّ تَسَوَّلَ «٣» لَهَا! وَمِثْلُ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِيَةُ: وَفِي قَوْلِ هَابِيلَ" قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" كَلَامٌ قَبْلَهُ مَحْذُوفٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ قَابِيلُ:" لَأَقْتُلَنَّكَ" قَالَ لَهُ: وَلِمَ تَقْتُلُنِي وَأَنَا لَمْ أَجْنِ شَيْئًا؟، وَلَا ذَنْبَ لِي فِي قَبُولِ اللَّهِ قُرْبَانِي، أَمَا إِنِّي اتَّقَيْتُهُ وَكُنْتُ عَلَى لَاحِبِ «٤» الْحَقِّ وَإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. قَالَ ابْنُ عطِيَّةَ: الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى هُنَا اتِّقَاءُ الشِّرْكِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَمَنِ اتَّقَاهُ وَهُوَ مُوَحِّدٌ فَأَعْمَالُهُ الَّتِي تَصْدُقُ فِيهَا نِيَّتُهُ مَقْبُولَةٌ، وَأَمَّا الْمُتَّقِي الشِّرْكَ وَالْمَعَاصِيَ فَلَهُ الدَّرَجَةُ] الْعُلْيَا [«٥» مِنَ الْقَبُولِ وَالْخَتْمِ بِالرَّحْمَةِ، عُلِمَ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَا أَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَقْلًا. وَقَالَ عَدِيُّ «٦» بْنُ ثَابِتٍ وَغَيْرُهُ: قُرْبَانُ مُتَّقِي هَذِهِ الْأُمَّةِ الصَّلَاةُ. قُلْتُ: وَهَذَا خَاصٌّ فِي نَوْعٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بها ورجله التي يمشي بها ولين سألني لأعطينه ولين استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شي أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الموت وأنا أكره مساءته).
(٢). راجع ج ٢ ص ٦٢ فما بعدها.
(٣). في ى: نزل بها.
(٤). لاحب: واضح.
(٥). من ك وهـ وج وز وى.
(٦). في ك: علي.