لِلرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْقَبَائِلِ، وَأَخْذِهِمْ مِنْ قَبِيلَةٍ رَجُلًا بِرَجُلٍ، وَمِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ. وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: هَذَا خَبَرٌ عَنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا، وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" «١» فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ مَا يَكْفِي فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ. وَوَجْهٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:" وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ" وَكَانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَهُمْ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَهْلُ ذِمَّةٍ كَمَا لِلْمُسْلِمِينَ أهل ذمة، لان الجزية في وغنيم أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْفَيْءَ لِأَحَدٍ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ فِيمَا مَضَى مَبْعُوثًا إِلَّا إِلَى قَوْمِهِ، فَأَوْجَبَتِ الْآيَةُ الْحُكْمَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ كَانَتْ دِمَاؤُهُمْ تَتَكَافَأُ، فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْوَاحِدِ مِنَّا فِي دِمَاءِ سِوَى الْمُسْلِمِينَ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، إِذْ يُشِيرُ إِلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، وَيَقُولُ: إِنَّ الْحُكْمَ فِي هَؤُلَاءِ أَنَّ النَّفْسَ مِنْهُمْ «٢» بِالنَّفْسِ، فَالَّذِي يَجِبُ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَهْلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ-: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ. الثَّانِيَةُ- قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا جَرَحَ أَوْ قَطَعَ الْأُذُنَ أَوِ الْيَدَ ثُمَّ قَتَلَ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:" وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ" فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا أَخَذَ، وَيُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنْ قَصَدَ بِهِ الْمُثْلَةَ فُعِلَ بِهِ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ مُضَارَبَتِهِ وَمُدَافَعَتِهِ قُتِلَ بِالسَّيْفِ، وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ فِي الْمُثْلَةِ يَجِبُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَلَ أَعْيُنَ الْعُرَنِيِّينَ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ «٣». الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ قَرَأَ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ بِالنَّصْبِ فِي جَمِيعِهَا عَلَى الْعَطْفِ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ" أَنَّ" وَرَفْعُ الْكُلِّ بِالِابْتِدَاءِ وَالْعَطْفِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ بِنَصْبِ الْكُلِّ إلا الجروح. وكان الكسائي وأبو عبيد يقرءان" وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ" بِالرَّفْعِ فِيهَا كُلِّهَا. قَالَ أَبُو عبيد: حدثنا حجاج عن هرون عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزهري عن
(٢). في ع: أن النفس بالنفس بينهم.
(٣). راجع ص ١٤٨ من هذا الجزء.