عَلَى أُصُولِنَا، لَا سِيَّمَا أَنَّ الْمَدِينَةَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَلَّا يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِجَزَاءٍ وَلَا أَخْذِ سَلَبٍ- فِي الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ- عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ:] الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ «١» فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا [«٢» فَأَرْسَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ سَعْدٍ فَذَلِكَ مَذْهَبٌ لَهُ مَخْصُوصٌ بِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ، فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا- أَوْ يَخْبِطُهُ- فَسَلَبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ أَوْ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ، فَقَوْلُهُ: (نَفَّلَنِيهِ) ظَاهِرُهُ الْخُصُوصُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْعَاشِرَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُتَعَمِّدَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُخْطِئَ وَالنَّاسِيَ، وَالْمُتَعَمِّدُ هُنَا هُوَ الْقَاصِدُ لِلشَّيْءِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْإِحْرَامِ. وَالْمُخْطِئُ هُوَ الَّذِي يَقْصِدُ شَيْئًا فَيُصِيبُ صَيْدًا، وَالنَّاسِي هُوَ الَّذِي يَتَعَمَّدُ الصَّيْدَ وَلَا يَذْكُرُ إِحْرَامَهُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ- مَا أَسْنَدَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا التَّكْفِيرُ فِي الْعَمْدِ، وَإِنَّمَا غَلَّظُوا فِي الْخَطَأِ لِئَلَّا يَعُودُوا. الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ:" مُتَعَمِّداً" خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ، فَأُلْحِقَ بِهِ النَّادِرُ كأصول الشريعة. الثالث- أنه لا شي عَلَى الْمُخْطِئِ وَالنَّاسِي، وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ، وَرُوِيَ عَنِ ابن عباس وسعيد ابن جُبَيْرٍ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ. وَتَعَلَّقَ أَحْمَدُ بِأَنْ قَالَ: لَمَّا خَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُتَعَمِّدَ بِالذِّكْرِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ بِخِلَافِهِ. وَزَادَ بِأَنْ قَالَ: الْأَصْلُ براءة الذمة فمن
(٢). لا يقبل منه صرف ولا عدل: الصرف التوبة والعدل الفدية. وقيل: الصرف النافلة والعدل الفريضة. وقيل: غير ذلك.