وَبُرُوزِهَا، فَكُلُّ نَاتِئٍ بَارِزٍ كَعْبٌ، مُسْتَدِيرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَدِيرٍ. وَمِنْهُ كَعْبُ الْقَدَمِ وَكُعُوبُ الْقَنَاةِ. وَكَعَبَ ثَدْيُ الْمَرْأَةِ إِذَا ظَهَرَ فِي صَدْرِهَا. وَالْبَيْتُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَقْفٍ وَجِدَارٍ، وَهِيَ حَقِيقَةُ الْبَيْتِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا سَاكِنٌ. وَسَمَّاهُ سُبْحَانَهُ حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِ إِيَّاهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ [وَقَدْ تَقَدَّمَ أَكْثَرُ هَذَا مُسْتَوْفًى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (قِياماً لِلنَّاسِ) أَيْ صَلَاحًا وَمَعَاشًا، لِأَمْنِ النَّاسِ بِهَا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ" قِياماً" بِمَعْنَى يَقُومُونَ بِهَا. وَقِيلَ:" قِياماً" أَيْ يَقُومُونَ بِشَرَائِعِهَا. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ" قِيَمًا" وَهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا. وَقَدْ قِيلَ:" قِوَامٌ". قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قِيَامًا لِلنَّاسِ، أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى سَلِيقَةِ الْآدَمِيَّةِ مِنَ التَّحَاسُدِ وَالتَّنَافُسِ وَالتَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ، وَالسَّلْبِ وَالْغَارَةِ وَالْقَتْلِ وَالثَّأْرِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ فِي الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْمَشِيئَةِ الْأَوَّلِيَّةِ مِنْ كَافٍّ يَدُومُ مَعَهُ «١» الْحَالُ وَوَازِعٌ يُحْمَدُ مَعَهُ الْمَآلُ. قَالَ اللَّهِ تَعَالَى:" إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" «٢»] البقرة: ٣٠] فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْخِلَافَةِ، وَجَعَلَ أُمُورَهُمْ إِلَى وَاحِدٍ يَزَعُهُمْ «٣» عَنِ التَّنَازُعِ، وَيَحْمِلُهُمْ عَلَى التَّآلُفِ مِنَ التَّقَاطُعِ، وَيَرُدُّ الظَّالِمَ عَنِ الْمَظْلُومِ، وَيُقَرِّرُ كُلَّ يَدٍ عَلَى مَا تَسْتَوْلِي عَلَيْهِ. رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ: مَا يَزَعُ الْإِمَامُ أَكْثَرَ مِمَّا يَزَعُ الْقُرْآنُ، ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَجَوْرُ السُّلْطَانِ عاما واحدا أقل أذائه مِنْ كَوْنِ النَّاسِ فَوْضَى لَحْظَةً وَاحِدَةً، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْخَلِيفَةَ لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ، لِتَجْرِيَ عَلَى رَأْيِهِ الْأُمُورُ، وَيَكُفَّ اللَّهُ بِهِ عَادِيَةَ الْجُمْهُورِ «٤»، فَعَظَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي قُلُوبِهِمْ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَأَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ هَيْبَتَهُ، وَعَظَّمَ بَيْنَهُمْ حُرْمَتَهُ، فَكَانَ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مَعْصُومًا بِهِ، وَكَانَ مَنِ اضْطُهِدَ مَحْمِيًّا بِالْكَوْنِ فِيهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ" «٥»] العنكبوت: ٦٧]. قَالَ الْعُلَمَاءُ: فَلَمَّا كَانَ مَوْضِعًا مَخْصُوصًا لَا يُدْرِكُهُ كُلُّ مَظْلُومٍ، وَلَا يَنَالُهُ كُلُّ خَائِفٍ جعله الله الشهر الحرام ملجأ آخر وهي:

(١). في ج، ك، ب وع: مع.
(٢). راجع ج ١ ص ٢٧١.
(٣). في ك: يزجرهم.
(٤). في الأصول: الأمور. والتصويب من ابن العربي.
(٥). راجع ج ١٣ ص ٣٦٣.


الصفحة التالية
Icon