الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى" الْحَمْدُ لِلَّهِ" بَدَأَ سُبْحَانَهُ فَاتِحَتَهَا بِالْحَمْدِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ أَيْ إِنَّ الْحَمْدَ كُلَّهُ لَهُ فَلَا شَرِيكَ لَهُ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدِ افْتُتِحَ غَيْرُهَا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَكَانَ الِاجْتِزَاءُ بِوَاحِدَةٍ يُغْنِي عَنْ سَائِرِهِ فَيُقَالُ: لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُ مَعْنًى فِي مَوْضِعِهِ لَا يُؤَدِّي عَنْهُ غَيْرُهُ مِنْ أَجْلِ عَقْدِهِ بِالنِّعَمِ الْمُخْتَلِفَةِ وَأَيْضًا فَلِمَا فِيهِ مِنَ الْحُجَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى الَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى (الْحَمْدِ) فِي الْفَاتِحَةِ «١». الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أَخْبَرَ عَنْ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ فَقَالَ: الَّذِي خَلَقَ أَيِ اخْتَرَعَ وَأَوْجَدَ وَأَنْشَأَ وَابْتَدَعَ. وَالْخَلْقُ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاخْتِرَاعِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَكِلَاهُمَا مُرَادٌ هُنَا وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حُدُوثِهِمَا فَرَفَعَ السَّمَاءَ بِغَيْرِ عَمَدٍ وَجَعَلَهَا مُسْتَوِيَةً مِنْ غَيْرِ أَوَدٍ «٢» وَجَعَلَ فِيهَا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَيْنِ وَزَيَّنَهَا بِالنُّجُومِ وَأَوْدَعَهَا السَّحَابَ وَالْغُيُومَ عَلَامَتَيْنِ وَبَسَطَ الْأَرْضَ وَأَوْدَعَهَا الْأَرْزَاقَ وَالنَّبَاتَ وَبَثَّ فِيهَا من كل دابة آيات وجعل فِيهَا الْجِبَالَ أَوْتَادًا وَسُبُلًا فِجَاجًا وَأَجْرَى فِيهَا الْأَنْهَارَ وَالْبِحَارَ وَفَجَّرَ فِيهَا الْعُيُونَ مِنَ الْأَحْجَارِ دَلَالَاتٍ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَأَنَّهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ وَبَيَّنَ بِخَلْقِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أنه خالق كل شي. الثَّالِثَةُ- خَرَّجَ مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يونس وهرون بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله ابن رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ فَقَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الجمعة فيما بين العصر إلى الليل).

(١). راجع ج ١ ص ١٣١ وما بعدها.
(٢). الأود: العوج.


الصفحة التالية
Icon