" تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ" «١» [القصص: ٨٣] " وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ" «٢» [العنكبوت: ٦٤]. فَأَتَتِ الْآخِرَةُ صِفَةً لِلدَّارِ فِيهِمَا. (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) أَيِ الشِّرْكَ. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) قُرِئَ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ، أَيْ أَفَلَا يَعْقِلُونَ أَنَّ الْأَمْرَ هَكَذَا فَيَزْهَدُوا في الدنيا. والله أعلم.
[سورة الأنعام (٦): الآيات ٣٣ الى ٣٤]
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) كُسِرَتْ (إِنَّ) لِدُخُولِ اللَّامِ. قَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا نُكَذِّبُكَ وَإِنَّكَ عِنْدَنَا لَصَادِقٌ، وَلَكِنْ نُكَذِّبُ مَا جِئْتَ بِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ" فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" ثُمَّ آنَسَهُ بِقَوْلِهِ:" وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ" الآية. وقرى" يكذبونك" مخففا ومشددا، قيل: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَحَزَنْتُهُ وَأَحْزَنْتُهُ، وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ قِرَاءَةَ التَّخْفِيفِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ وَلَكِنْ نُكَذِّبُ مَا جِئْتَ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ" قَالَ النَّحَّاسُ: وَقَدْ خُولِفَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي هَذَا. وَرُوِيَ: لَا نُكَذِّبُكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" لَا يُكَذِّبُونَكَ". وَيُقَوِّي هَذَا أَنَّ رَجُلًا قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ" فَإِنَّهُمْ لَا يُكْذِبُونَكَ" مُخَفَّفًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ:" فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ" لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمِينَ. وَمَعْنَى" يُكَذِّبُونَكَ" عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ يَنْسُبُونَكَ إِلَى الْكَذِبِ، وَيَرُدُّونَ عَلَيْكَ مَا قُلْتَ. وَمَعْنَى" لَا يُكْذِبُونَكَ" أَيْ لَا يَجِدُونَكَ تَأْتِي بِالْكَذِبِ، كَمَا تَقُولُ: أَكَذَبْتُهُ وَجَدْتُهُ كَذَّابًا، وَأَبْخَلْتُهُ وَجَدْتُهُ بَخِيلًا، أَيْ لَا يَجِدُونَكَ كَذَّابًا إِنْ تَدَبَّرُوا مَا جِئْتَ بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: لَا يُثْبِتُونَ عَلَيْكَ أَنَّكَ كَاذِبٌ، لأنه يقال: أكذبته
(٢). راجع ج ١٣ ص ٣٢٠، ص ٣٦١.